Friday 11 Oct 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
مقالات
 
عبدالهادي نجّار الإسكندرية وبيروت وبنغازي بين الأكثر تأثُّراً: ربع المدن الساحلية تغرق بسبب هبوط الأراضي  
نيسان / أبريل 2021 / عدد 277
تشهد إندونيسيا باستمرار سلسلة من الكوارث الطبيعية، ويرتبط ذلك إلى حد كبير بموقعها في أحد أسوأ المناطق من الناحية التكتونية التي تتميز بطبقات أرضية متحرِّكة. وخلال القرن الماضي، هزّت إندونيسيا أربعة من بين أقوى ستة زلازل في العالم، كما عرفت البلاد عدداً من أسوأ الانفجارات البركانية وكوارث التسونامي. وفي سنة 2018، سجّلت إندونيسيا نصف الوفيات العالمية الناتجة عن الكوارث الطبيعية.
 
ومع أن التاريخ جعل الكوارث الطبيعية جزءاً من حياة الإندونيسيين، لكن القلق يشغل بال المواطنين والسياسيين على السواء فيما يرون كارثةً غير مسبوقة تزحف ببطء وتهدد عاصمة البلاد بالغرق تحت البحر. جاكرتا، التي ستصبح أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان حول العالم في 2030، مهددة بانخفاض أكثر من 20 في المائة من مساحتها إلى ما دون مستوى سطح البحر. وإذا كان التخوُّف الطاغي هذه الأيام هو من ارتفاع البحار بسبب التغيُّر المناخي، فانخفاض الأراضي سيفاقم المشكلة. فإذا ارتفعت البحار نصف متر وانخفضت الأراضي الساحلية نصف متر، تكون النتيجة الغرق تحت متر من المياه.
 
دور النشاط البشري
العاصمة الإندونيسية ليست الوحيدة التي تخشى هذا المصير، فالعديد من المدن الساحلية حول العالم عرضةً للخطر نفسه، ابتداءً من المدن الكبرى في آسيا وصولاً إلى خليج المكسيك والساحل الشرقي للولايات المتحدة. ويتحالف ضد هذه الحواضر الساحلية عاملان هما تغيُّر المناخ الذي يؤدي إلى ذوبان الجليد العالمي وارتفاع مستوى سطح البحر، وانخساف الأرض وهبوطها لأسباب طبيعية وأخرى ناتجة عن النشاطات البشرية.
 
وكانت مدينة مكسيكو سيتي بدأت بالهبوط منذ القرن الرابع عشر عندما بدأ شعب "الأزتيك" في إقامة المعابد وغيرها من الهياكل الثقيلة على الرماد البركاني والرواسب الأخرى. وتتهدَّد مدينة قوانغشتو، إحدى أهم المدن التجارية في الصين، أضرار اقتصادية ناجمة عن الفيضانات أكثر من أي مدينة ساحلية أخرى على هذا الكوكب. كما تعتبر مدن ساحل المتوسط، خاصةً الإسكندرية ونابولي وبيروت وإسطنبول وأثينا ومرسيليا وبنغازي، من أكثر المدن عرضةً لزيادة نسبية في الأضرار الناجمة عن الفيضانات خلال هذا القرن.
 
ولا تكمن المشكلة في المناطق الشاطئية فقط، فمنذ عشرينيات القرن الماضي غاصت أجزاء من الحزام الزراعي في في وادي كاليفورنيا إلى ما دون 10 أمتار. ومع ذلك تبقى السواحل، التي تحتضن أغلب المدن الكبرى، أكثر عرضةً للفيضانات والغرق.
 
بعض العوامل التي تُسهم في هبوط الأراضي الساحلية خارجة عن سيطرة الإنسان، إذ لا تزال أجزاء من اليابسة تتكيّف مع اختفاء الأنهار الجليدية التي غطتها خلال العصر الجليدي الأخير. وفي دلتا الأنهار الساحلية، تنخسف الأرض ببطء حيث تتعرض الرواسب الجديدة للانضغاط بمرور الوقت.
 
ويمكن للأنشطة البشرية، مثل سحب المياه الجوفية واستخراج النفط والغاز وجمع الرمال وبناء حواجز الفيضانات حول الأنهار وبناء المنشآت الضخمة، أن تتسبب في هبوط الأرض. إن وقف فيضان الأنهار، وهو أمر جيد في حد ذاته، يمنع أيضاً نشر الرواسب التي تعوّض الهبوط في التربة.
 
في دلتا النيل، التي يعيش فيها نصف سكان مصر، تتراوح معدلات انخساف الأرض السنوية ما بين 3.7 مم في شمال غرب الدلتا و8.4 مم في شمالها الشرقي، وفقاً لدراسة نشرتها الجمعية الأميركية للجيولوجيا سنة 2017. وينتج هذا الهبوط عن ثلاثة عوامل أساسية هي الانضغاط الطبيعي المتواصل للطبقات الجيولوجية، والنشاط الزلزالي الضعيف في المنطقة، وفقدان الدلتا لمائة مليون طن من الرواسب والطمي كانت تجلبها فيضانات نهر النيل سنوياً وهي تترسب حالياً خلف السد العالي وتقلل من جدواه.
 
وفيما يبلغ المتوسط الفعلي لارتفاع مستوى سطح البحر بفعل ذوبان الجليد نتيجة تغيُّر المناخ العالمي 2.5 مم في السنة، تخلص دراسة نُشرت في دورية "نيتشر" في مارس (آذار) 2021 إلى أن المدن الساحلية التي تتعرض لهبوط الأرض تواجه ارتفاعاً نسبياً في مستوى سطح البحر يتراوح بين 7.8 و9.9 مم في السنة، أي أربعة أضعاف المعدل الناجم عن تغيُّر المناخ وحده.
 
هذه الأرقام، التي جرى احتسابها للفترة بين 1993 و2015، اعتمدت على تجميع البيانات من أربعة مصادر أساسية هي سجلات مراقبة الأقمار الإصطناعية لارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن تغيُّر المناخ، وتقديرات نموذجية لتغيُّرات سطح الأرض منذ العصر الجليدي الأخير، وبيانات عن الهبوط الطبيعي في 117 دلتا نهرية، وتقديرات الهبوط الذي يسببه الإنسان في 138 مدينة ساحلية كبيرة.
 
وتشير الدراسة، التي تعتبر الأولى في تناول أثر هبوط الأرض على عمليات رصد ارتفاع مستوى سطح البحر عالمياً، إلى أن هناك مناطق ساحلية ترتفع بسبب الارتداد الطبيعي للأرض بعد ذوبان الصفائح الجليدية، وتمثل مساحتها 12.5 في المائة من السواحل العالمية، ويعيش فيها 2.3 مليون شخص فقط.
 
أما السواحل التي يزيد فيها معدل الارتفاع النسبي لسطح البحر، المقترن بهبوط الأرض، عن 10 مم في السنة فهي تمثل 0.7 إلى 0.8 في المائة من الساحل العالمي. ومع ذلك يعيش في هذه المناطق ما بين 147 إلى 171 مليون شخص، أي نحو 19.1 إلى 22.3 في المائة من تعداد سكان المناطق الساحلية حيث لا يزيد ارتفاع الأرض عن 10 أمتار فوق مستوى البحر.
 
ويُعزى هذا التوزيع غير المتكافئ للسكان إلى أن مدن الدلتا تجتذب أعداداً كبيرةً من السكان وتشهد تنمية حضرية نشطة، مما يؤدي إلى هبوط الأراضي على نحو أسرع. وتقع أغلب المناطق التي تتعرض للغرق السريع في جنوب وشرق آسيا، بما في ذلك المدن الكبرى مثل جاكرتا وبانكوك ومانيلا وهوشي منه وتيانجين.
 
وتزداد المشكلة سوءاً في السهول الساحلية التي تتعرض لفيضانات الأنهار وارتفاع مستوى سطح البحر. وإذا استمر هبوط الأرض بالمعدلات الحالية، فقد يتعرض عدد أكبر بكثير من سكان السواحل للخطر في العقود القليلة المقبلة، حيث من المتوقع أن يؤدي النمو السكاني إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعيشون في السهول الساحلية المعرضة للفيضان من 249 مليوناً في 2015 إلى 280 مليوناً في 2050.
 
كما سيؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغيُّر المناخ إلى وضع 25 إلى 30 مليون شخص في دائرة الخطر من الفيضانات، وسيضيف انخفاض أرض المدن المستمر نحو 25 إلى 40 مليون شخص آخر.
 
تدابير محلية لمواجهة هبوط الأرض
على المدن الساحلية حول العالم اتخاذ خطوات فورية للحد من هبوطها قبل أن تجبر التأثيرات المشتركة لغوص الأراضي وارتفاع منسوب البحار السكان على هجرها والتراجع إلى الداخل. وتتوقع دراسة أجراها مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن لصالح المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) أن ارتفاعاً في مستوى البحر مقداره متر واحد فقط سيؤثر بشكل مباشر على 44.500 كيلومتر مربع من الأراضي الساحلية العربية. والتأثيرات الأكثر خطراً لارتفاع مستوى البحر ستكون في مصر وتونس والمغرب والجزائر والكويت وقطر والبحرين والإمارات.
 
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار، أن هذا الارتفاع في منسوب البحر سينتج عن تغيُّر المناخ وهبوط الأرض بسبب استنزاف المياه الجوفية، واستخراج الثروات الباطنية، وتنفيذ مشاريع التطوير العقاري، وعوامل محلية أخرى، فقد تكون العديد من المناطق الساحلية العربية عرضةً للغرق أسرع بكثير مما هو متوقع.
 
ويُعد استخراج المياه الجوفية المسبب الرئيسي للهبوط في أراضي الكثير من المدن حول العالم، ويمكن التخفيف منه عبر إدارة أفضل للمياه، كما حصل في طوكيو وشانغهاي. وكانت العاصمة اليابانية عانت من هبوط كبير في منسوب الأرض وصل إلى 4.5 متر بسبب السحب الكثيف للغاز الطبيعي والمياه الجوفية، خاصةً خلال فترة النمو الاقتصادي السريع في اليابان في الستينيات، مما جعل الجزء الشرقي من طوكيو دون مستوى سطح البحر. وبفضل اللوائح الصارمة للضخ، تعافى منسوب المياه الجوفية في المنطقة، إلا أنها بقيت تعاني من مشاكل أخرى مثل عدم استقرار أساسات المباني بسبب تأثيرات الطفو وتميع التربة نتيجة الزلازل.
 
وسيكون التراجع عن بعض تدابير السيطرة على الفيضانات في أماكن أخرى أمراً أساسياً لتقليل الهبوط. ففي دلتا نهر المسيسيبي، التي تغرق بسرعة في ساحل لويزيانا، يجري العمل على خطة بمليارات الدولارات لاستعادة الدورة الطبيعية للأراضي الرطبة عن طريق إحداث ثقوب في منظومة الأكتاف الترابية للنهر، مما سيسمح للرواسب بالانتشار إلى المستنقعات المجاورة مرةً أخرى.
 
وفي جاكرتا، التي يصل معدل انخساف الأرض تحتها إلى أكثر من 10 سنتمترات في السنة وتعاني من الاكتظاظ وتلوث الهواء، حيث توصف بأنها "أكثر مدينة غير صحية في العالم"، اعتمدت الحكومة الإندونيسية خياراً جذرياً يقضي بإنشاء عاصمة جديدة للبلاد في جزيرة بورنيو. وسيتم البدء بتطوير العاصمة الجديدة بعد انتهاء البرنامج الوطني للتطعيم ضد فيروس "كورونا"، ومن المتوقع أن تصبح موطناً لنحو 7 ملايين شخص من موظفي الحكومة وأسرهم.
 
وتنصح الدراسات الحديثة بفصل استراتيجيات التكيُّف مع ارتفاع منسوب مياه البحر نتيجة تغيُّر المناخ العالمي عن التحديات المحلية المرتبطة بهبوط الأرض، لأن كل منطقة تحتاج إلى فهم وضعها وخصوصيتها. ومن خلال التعامل مع مشكلة الأراضي الساحلية الغارقة كقضية عالمية، يمكن تبادل الخبرات بين الحكومات التي طوَّرت استراتيجيات ناجحة للحدّ من هبوط الأرض، تماماً كما يحصل في مسألة التعاون المناخي.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.