Saturday 20 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
إبراهيم عبد الجليل 5 سنوات على اتفاقية باريس المناخية: إتفاق على المبادئ وبطء في التنفيذ  
كانون الثاني / يناير 2021 / عدد 274
في الثاني عشر من هذا الشهر مرّت ذكرى خمسة أعوام على توقيع اتفاقية باريس بشأن تغيُّر المناخ، وذلك خلال مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين للاتفاقية الاطارية لتغيُّر المناخ. ولقد كان ذلك ولايزال علامة بارزة في مسيرة المجتمع الدولي نحو التصدّي لأكبر التحديات التي تواجه المجتمع البشري في العصر الحديث، ألا وهي مخاطر تغيُّر المناخ العالمي والارتفاع المستمر لدرجة حرارة الكوكب الذي نعيش فيه. تلك المسيرة الطويلة بدأت في نهايات الثمانينات من القرن الماضي، وتُوِّجت بتوقيع الاتفاقية الاطارية لتغيُّر المناخ أثناء قمة الأرض التي عُقدت في العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو عام 1992. وقد دعت تلك الاتفاقية المجتمع الدولي إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عند مستويات لا تهدد استدامة التنمية على كوكب الأرض.
 
وإذ لم تكن تلك الاتفاقية كافية لتحديد ماهية الإجراءات والسياسات الواجب تبنّيها لتحقيق هذا الهدف، فقد أعقبتها عملية تفاوضية شاقة، انخرطت فيها دول العالم بأسرها، انتهت بتوقيع بروتوكول كيوتو في اليابان، الذي ألزم مجموعة الدول الصناعية المتقدمة بخفض انبعاثاتها من الغازات الضارة بنسب محددة وفي إطار زمني محدد. ولم يحقق بروتوكول كيوتو معظم غاياته، وكان من أكبر معارضيه الولايات المتحدة الأميركية، التي انسحبت منه في عهد جورج بوش الإبن، بدعوى أن قضية تغيُّر المناخ هي قضية عالمية ويجب على جميع من يعيش على هذا الكوكب أن يساهم في التصدي لها. وبدأ ماراثون تفاوضي جديد كانت محطته النهائية في باريس عام 2015، حيث نجح المفاوضون في صياغة اتفاق جديد يُشرك جميع من ينضم له من دول العالم في التصدّي لمخاطر تغيُّر المناخ، سواء من ناحية الحد من الانبعاثات المسببة له، أو التكيُّف مع أخطاره المحتملة حال حدوثها.
 
كان الهدف الرئيس لهذه الاتفاقية هو السعي لئلا تزيد درجة حرارة الكوكب عن درجتين مئويتين خلال هذا القرن، وأن تطمح جميع دول العالم إلى وقف الارتفاع عند حدود الدرجة والنصف. واتخذت اتفاقية باريس منحى آخر في تحقيق هذا الهدف، فطالبت كل الدول الأعضاء، وهي نحو 190 دولة حتى الآن، بإعداد وثيقة تحدد فيها خطتها في التعامل مع تغيُّرات المناخ طبقاً لظروفها الاقتصادية والتنموية، على أن يتم مراجعة تلك الوثائق وتحديثها بشكل دوري والإعلان عن ذلك بشكل شفاف. وكان ذلك ترجمة صادقة لمبدأ "المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة"، وهو المبدأ الذي تمسكت به دائماً الدول النامية منذ أُقرّ في الاتفاقية الاطارية لتغيُّر المناخ عام 1992. ويؤكد هذا المبدأ على تباين قدرات الدول وإمكاناتها المالية والتقنية وقدراتها العلمية في كيفية التصدي لتحدّيات تغيُّر المناخ، مما يستدعي تبايناً في مساهمات دول العالم بتباين تلك الإمكانات. وهكذا، فعلى الدول المتقدمة أن تتقدم الصفوف في مواجهة هذا التحدي، خاصة وأنها مسؤولة تاريخياً عن حدوث تلك المشكلة منذ الثورة الصناعية وبدء استخدام الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة.
 
ويرى البعض أن التعهدات التي تعلنها كل دولة في إطار اتفاقية باريس، ليست ملزمة قانوناً مثل تلك الالتزامات التي كان يفرضها بروتوكول كيوتو على الدول الصناعية الكبرى. إلا أن الإعلان عن خطط الدول الأعضاء وتعهداتها بالتصدّي لتغيُّرات المناخ هو ملزم قانوناً، بصرف النظر عن مدى طموح تلك التعهدات.
 
كما أكدت الاتفاقية على أن تقدّم الدول المتقدمة مساعدات مالية وتقنية للدول النامية لمساعدتها في التعامل مع ذلك التحدي، خاصة وأن تلك الدول هي الأكثر عرضة للمخاطر، وهي أيضاً الأقل استعداداً لمواجهتها. وقد ظهر مؤخراً كيف تسببت الأمطار والسيول في خسائر فادحة في السودان نتيجة لضعف القدرة على الاستعداد والتصدّي لتلك الظواهر المناخية الحادة.
 
كما أنشئ صندوق المناخ الأخضر، الذي يقدم تمويلاً ميّسراً لمشروعات الحد من الانبعاثات والتكيُّف مع مخاطر تغيُّر المناخ، وهناك حالياً أكثر من عشر دول عربية استفادت بالفعل من فرص التمويل التي يتيحها هذا الصندوق.
 
الآن، بعد مرور خمس سنوات على توقيع اتفاقية باريس، هل التزمت الدول الأعضاء بما تعهدت به، في ما أصبح يُعرف بـ "اتفاقية باريس المناخية"؟
 
وجدت دراسة نُشرت مؤخراً في هولندا عن دول مجموعة العشرين أن أكبر سبع دول منتجة للانبعاثات في العالم كانت قد تعهدت بخفض انبعاثاتها بنحو 17 في المائة عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول عام 2030، لكن المؤشرات الراهنة تدل على أن ما يمكن الوصول إليه لن يتجاوز 5.5 في المائة في ذاك التاريخ. لذا فمن الواضح أن هناك فجوة حتى الآن بين التعهدات المعلنة طبقاً لاتفاق باريس، وما هو متوقع تحقيقه.
 
وبينما تمر خمسة أعوام على توقيع اتفاقية باريس، يترقب المتابعون نتائج تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بأنه سيعيد الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس، التي انسحب منها الرئيس دونالد ترامب. وسوف تكون تلك خطوة هامة نحو تحقيق أهداف الاتفاقية، باعتبار الولايات المتحدة ثاني أكبر منتج للانبعاثات بعد الصين. كما سترسل تلك الخطوة، متى حدثت، رسائل لا يمكن تجاهلها لأسواق الطاقة في العالم، والتي تشهد حالياً ثورة غير مسبوقة للتحول بعيداً عن مصادر الوقود الأحفوري.
 
لقد وعد جو بايدن أيضاً، ضمن برنامجه الانتخابي، أن تحقق أميركا "صفر انبعاثات" بحلول سنة 2050. فهل سيكون الرئيس المنتخب قادراً على الوفاء بهذا الوعد، خاصة إذا استمرت الغالبية الجمهورية في الكونغرس؟ سؤال علينا انتظار الجواب عنه بعد الإنتخابات التكميلية في ولاية جورجيا، وحينما تعود أميركا إلى الاتفاقية ويصبح لزاماً عليها أن ترسل، مثل كل أطراف الاتفاقية، مساهمتها المحددة وطنياً، أو ما سوف تتعهد به للحد من الانبعاثات.
 
أما في منطقتنا العربية، والتي تعد واحدة من أكثر المناطق عرضة لمخاطر تغيُّرات المناخ، فلا زالت قضايا الاستعداد للتكيُّف مع تلك المخاطر في مراحلها الأولى، إن لم تكن لم تبدأ بالفعل في بعض الدول. فالمنطقة العربية تقع جغرافياً في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، التي تتميز بندرة مصادر المياه وندرة الأمطار، والتي تشير كل الدراسات إلى أنها ستتفاقم مع تزايد التغيُّرات المناخية. وسوف يؤدي ذلك إلى اتساع فجوة الأمن الغذائي التي تعاني منها المنطقة بالفعل، ناهيك عن تعرض بعض المناطق الساحلية لمخاطر ارتفاع سطح البحر، وما قد يتسبب عنه من خسائر اقتصادية للأنشطة الساحلية، خاصة قطاع السياحة وصيد الأسماك.
 
وقد بدأت المنطقة العربية بالفعل تشهد حدّة غير مسبوقة في بعض الظواهر المناخية، مثل السيول الجارفة التي حدثت في جدة في السعودية عام 2009، والسيول التي حدثت مؤخراً في السودان وأدّت الي خسائر فادحة. وعلى الرغم من أن التكيُّف مع تغيُّرات المناخ يأتي دائماً في المقدمة من الخطاب العربي الرسمي في المحافل الدولية، الا أن ما يتم تنفيذه على الأرض لا يرقى لتلك الأهمية. وعلى الرغم من أن المنظمات الدولية والإقليمية العاملة في المنطقة كانت قد أعدّت العديد من استراتيجيات التكيُّف في قطاعات الزراعة والموارد المائية والأمن الغذائي وغيرها، إلا أن تلك الاستراتيجيات لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ، عدا عن أنها أُعِدَّت بشكل قطاعي لا يراعي الروابط المتشابكة بينها، مثل التشابك بين قضايا الطاقة والمياه والأمن الغذائي وتغيُّرات المناخ.
 
من المأمول أن تولي الحكومات العربية مزيداً من الاهتمام للاستعداد للتصدي لتغيُّرات المناخ وأخطارها على مسيرة التنمية، خاصة أننا نرى بعض تلك المخاطر بالعين المجردة اليوم، وهي لم تعد مجرد توقعات للمستقبل.
 
 
*الرئيس السابق لجهاز شؤون البيئة في مصر وأستاذ الإدارة البيئية في جامعة الخليج العربي
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.