Tuesday 16 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
رأي
 
محمد عبد الفتاح القصّاص العالم العربي والجهود العلمية الدولية  
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2006 / عدد 100-101
 شهد النصف الثاني من القرن العشرين، أي بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وضمدت الدول المتحاربة جراحها وعمرت ما دمرته الحرب، ظهور مجالات كبرى للعلوم تقتضي تعاوناً دولياً، لأنها علوم تتطلع لفهم ظواهر كونية أو تتناول قضايا ذات اتساع جغرافي شامل. كذلك ظهرت الحاجة الى مؤسسات وطنية للعلوم والتطوير التكنولوجي تكون قادرة على معاونة مجتمعاتها على متطلبات التنمية وقادرة على الاسهام في الجهود العلمية الاقليمية والدولية، والحاجة الى مؤسسات اقليمية تحتشد في اطارها جهود مجموعة من الدول ذات العلاقات السياسية الخاصة أو التي تواجه قضايا مشتركة تحتاج الى التعاون الاقليمي (مثال ذلك المركز العربي لدراسات الأراضي الجافة والمناطق القاحلة، ومقره دمشق).
مضى النصف الثاني من القرن العشرين بكل ما زخر به، وأقبل القرن الحادي والعشرون حاملاً بيارق العولمة ومعلناً أن العالم أصبح كالقرية الكوكبية. آن لنا أن نراجع تجربة الذي مضى، وان ننظر إلى إسهام العالم العربي في السعي العالمي، وأن نبحث عن سبل ما ينبغي ليكون لنا سهم في الجهد الدولي بما يحفظ لنا مكاننا في الحضارة المعاصرة التي ترتكز على العلم والتقدم التكنولوجي.
نشير إلى عدد من برامج البحوث والدراسات الدولية التي زخر بها النصف الثاني من القرن، ونطرح لدى كل برنامج التساؤل عن دورنا فيه. وليس القصد أن نلوم أنفسنا على ما فات، بل أن نتلمس خطانا للمستقبل ونستوثق أن السعي الراكض للتقدم العلمي والتطور التكنولوجي سيجدنا في ركب الفاعلين وليس في مقاعد المتفرجين.
بحوث الأرض والفضاء
1. كان العام الدولي للجيوفيزيقا 1956 واحداً من أوائل البرامج العلمية الدولية وأبعدها أثراً. هو البرنامج الذي انبثقت عنه بحوث أعماق الأرض وقيعان المحيطات والفضاء الكوني. حفز هذا الجهد العلمي البالغ تطويرات تكنولوجية وجدت مجالات التطبيق في شبكات الاتصال الفائقة وفي تطوير تكنولوجيا الالكترونيات بما في ذلك الحاسوبات. كذلك تطورت تقنيات الاستشعار عن بعد (البيانات التي تجمعها الأقمار الاصطناعية) وأصبحت من أدوات الكشف عن مصادر الثروات الطبيعية ومتابعة التحولات البيئية على الكرة الأرضية وفي طبقات الجو العليا.
شهدت برامج علوم الفضاء وارتياد الفضاء فارسين رئيسيين متنافسين: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. وتعاضدت دول غرب أوروبا في اطار برنامج اقليمي لبحوث الفضاء، ونشأت في ما بعد وكالة أوروبية لبحوث الفضاء. وأسهمت الدول الصناعية في فروع هذه العلوم. أما الدول العربية فشارك بعضها (مصر) في برامج العام الدولي للجيوفيزيقا بانشاء شبكة من محطات رصد الزلازل والعمل على رسم خرائط جيوفيزيقية للقطر. فلما تطورت علوم الاستشعار عن بعد أفادت منها دول عربية عديدة.
2. وضعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) برنامجاً دولياً لدراسات المناطق الجافة (1950 ـ 1960) بقصد تقصي الظروف البيئية الحاكمة فيها، والالمام بتفاعلات هذه الظروف الطبيعية والانسانية بغية التوصل الى حلول تنموية تعتمد على أسس علمية. جمعت اليونسكو النتائج العلمية لهذا البرنامج العالمي في ثلاثين مجلداً عن بحوث المناطق الجافة، فيها ثراء عظيم من المعارف العلمية شارك في جمعها علماء وباحثون من ربوع العالم. وقد أسهم علماء عرب في تأليف فصول من هذه المراجع.
حثت اليونسكو دول العالم على إنشاء مراكز وطنية لبحوث الأراضي الجافة (كان عددها عام 1950 دون العشرة، وفي عام 1965 زاد العدد على مئتين). وعاونت مصر على تطوير معهد بحوث الصحراء، كذلك عاونت تونس على انشاء وتطوير معهد بحوث الأراضي الجافة في مدنين، وعاونت العراق على انشاء وحدة لدراسات المناطق الجافة في اطار مركز البحوث الزراعية في أبوغريب.
المسوح البيئية والمحميات
3. وضع المجلس الدولي للاتحادات العلمية البرنامج الدولي لدراسات العلوم البيولوجية (1960 ـ 1966)، وعاونته اليونسكو ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. كان القصد من هذا البرنامج دراسة النظم البيئية التي تعتمد عليها حياة البشر وتبيين تفاعلاتها والتقييم الكمي لقدرتها على الانتاج وعلى احتمال ضغوط المجتمعات البشرية. وضعت خطط البرنامج لتتناول النظم البيئية الرئيسية التي توجد في القارات جميعاً وفي البحار. وحث البرنامج الدول على انشاء برامج وطنية لدراسات العلوم البيولوجية لتكون منها الاسهامات الوطنية في البرنامج الدولي.
تناولت الدراسات المسوح البيئية للغابات الاستوائية، والغابات المدارية، وتكاوين الحشائش (السفانا والاستبس)، وتكاوين المناطق الجافة بدرجاتها، وأحراج حوض البحر المتوسط، والغابات النفضية في المناطق المعتدلة، وغابات الصنوبريات في المناطق الباردة، وتكاوين التندرا في مناطق الجمد. أضف الى ذلك تكاوين المناطق الرطبة من البحيرات ومصبات الأنهار ونطاقات الشواطئ البحرية، ومناطق الصحارى. تجمعت من حصيلة هذه الدراسات سلسلة من كتب المراجع صدرت عن دار جامعة كامبردج للنشر في عقد السبعينات. كان إسهام العالم العربي في هذا البرنامج محدوداً.
4. وضعت منظمة اليونسكو عام 1971 البرنامج الدولي لدراسات الانسان والمحيط الحيوي، وقادت خطاه حتى الآن. استهدف البرنامج دراسات وتقييم آثار الأنشطة البشرية (الزراعة، الصناعة، الحلل السكنية في الريف والحضر، الخ...) على النظم البيئية الفطرية (الغابات، الاحراج، الصحارى، الخ...) كان البرنامج صدى للاهتمام العالمي بقضايا البيئة الذي قاد الى مؤتمر الأمم المتحدة عن بيئة الانسان (استوكهولم 1972). واشتمل على 14 مشروعاً، أربع عشرة قضية من قضايا "الانسان والمحيط الحيوي". وأنشأت اليونسكو مجلساً دولياً لادارة هذا البرنامج وتوجيهه، وأوصت الدول بأن تكون في كل منها لجنة وطنية تتابع الدراسات الوطنية إسهاماً في الجهد العالمي. كان اسهام العالم العربي في هذا السعي الدولي محدوداً واقتصر على مجال "محميات المحيط الحيوي".
انبثق عن برنامج "الانسان والمحيط الحيوي" رافد يعنى بموضوع محميات المحيط الحيوي، وهي مناطق للأهمية الطبيعية تستهدف صون عناصر الحياة الفطرية من أنواع النبات والحيوان والنظم البيئية والعمليات البيئية الفاعلة، وتضيف الى ذلك وظائف في مجال البحوث والتعليم والتثقيف. كان للعالم العربي اسهام مرموق في مجال التعاون الاقليمي، أدى الى انشاء آلية للتعاون العربي على ترابط محميات المحيط الحيوي في البلاد العربية في مجالات تبادل الخبرات وبرامج تدريب كوادر ادارة المحميات. ونحن نقدّر هذا الاجتهاد الذي أتاح للمسؤولين عن محميات المحيط الحيوي أن يتعارفوا في لقاءات علمية ويتزاوروا للاطلاع على هذه المحميات في الحقل، والذي أتاح لمحمية ضانا في الاردن سمعة دولية مرموقة لما تضمه من تراث طبيعي متميز وتراث حضاري هام.
تغير المناخ
5. منذ بدايات سبعينات القرن العشرين شرعت الهيئات الدولية، وخاصة المنظمة الدولية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والمجلس الدولي للاتحادات العلمية، في تبني برامج دولية لدراسات المناخ. كانت محطة أرصاد مونالوا في هونولولو (هاواي، الولايات المتحدة) بدأت منذ 1956 رصد تركيزات ثاني اوكسيد الكربون في الهواء الجوي. وأظهرت نتائج الأرصاد بين 1956 و1970 تزايداً تدريجياً في تركيز هذا الغاز (الحابس للحرارة) في الهواء. وشرعت دول أخرى في برامج لأرصاد غاز ثاني اوكسيد الكربون في الهواء الجوي. من هذه الدراسات برزت الحاجة الى جهد دولي لدراسات المناخ وما قد يطرأ عليه من تغيرات. جرت هذه البرامج في اطار تعاون دولي تطوَّر من عام الى عام وأثمر زيادات في الثراء المعرفي عن المناخ وظواهره. وتزايدت الدلالات على امكان حدوث تغيرات في المناخ العالمي بسبب زيادات ملموسة في معدلات درجات الحرارة نتيجة تزايد قدر ملوثات ناتجة عن أنشطة الانسان، وخاصة تعاظم كميات الوقود الحفري (الفحم والبترول والغاز الطبيعي) التي تحرقها الصناعة ومحطات الطاقة والنشاط الحضري.
تبلور التنظيم الدولي لهذه المساعي الدولية الفائقة في انشاء "المجلس الحكومي لدراسات تغير المناخ"، الذي يضم حشداً من علماء وخبراء دراسات فيزياء الجو وعلوم المناخ. يصدر هذا المجلس سلاسل من التقارير العلمية الموثقة تنشرها تباعاً دار جامعة اكسفورد للنشر، منها تقارير رئيسية تصدر كل خمس سنوات وتقارير تخصصية تصدر تباعاً. كل تقرير رئيسي يصدر في ثلاثة مجلدات: الأول يفصّل الدراسات العلمية التي تتناول تغيرات المناخ ومدى صدق التنبؤ بمستقبل هذه التغيرات، والثاني يفصّل الآثار والتوابع لهذه التغيرات على الانسان وعلى النظم البيئية التي يعتمد عليها الانتاج والتنمية وموارد البر والبحر، والثالث يتناول وسائل الوقاية والاصحاح على الصعيد المحلي والصعيد العالمي.
كانت هذه الدراسات هي القواعد التي قامت عليها اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية حول تغير المناخ (1992) وما ألحق بها من بروتوكول كيوتو وما اتصل بها من المساعي الدولية نحو العمل المشترك. كان حضور العالم العربي في هذا الجهد العالمي البالغ الذي اتصل على مدى نيف وثلاثين سنة حضور المشاهد المستمع، وكان اسهام العلم العربي في مجالات البحوث العلمية غاية في التواضع، مع أن النطاق الجغرافي العربي الممتد من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي تتهدده المخاطر اذا تحققت نبوءات تغيرات المناخ وما يتبعها من تغيرات في أنماط الأمطار وفي مستويات سطح البحر.
نكبات الجفاف والتصحر
6. برزت قضايا التصحر على نحو صارخ في سبعينات القرن العشرين عندما أحاقت نوبات الجفاف ـ التي امتدت خلال 1968 ـ 1974 واتصلت حتى 1986 ـ بنطاقات واسعة من القارة الافريقية. بدأت في بلاد الساحل ثم اتسعت حتى شملت النطاق الممتد جنوب صحراء افريقيا الكبرى من المحيط الاطلسي حتى البحر الأحمر والقرن الافريقي. كان من توابع نوبات الجفاف خسائر فادحة في الأرواح وفي قطعان الماشية، وتدهورت المراعي وجفت الزروع وتفشت المجاعات. هرع العالم لتقديم الغوث الى هذا النطاق المنكوب نكبة امتدت لسنوات متوالية. واستجابت الأمم المتحدة فعقدت مؤتمر الأمم المتحدة عن التصحر عام 1977، الذي وضع خطة عمل دولية لمكافحة التصحر وجعل لها مؤسسات لادارة الجهد الدولي في هذا المجال وحشد الموارد الاضافية لعون الدول على مجابهة نكبات الجفاف والتصحر. عادت الأمم المتحدة عام 1992 الى النظر في نتائج الجهد الدولي، وقررت وضع اتفاقية دولية تلتزم الدول في اطارها بالعمل على درء مصائب نوبات الجفاف ونكبات التصحر. تم وضع الاتفاقية وملحقاتها الاقليمية عام 1994، وتوالت تصديقات الدول عليها حتى أصبحت نافذة عام 1996.
خطة العمل التي وضعها مؤتمر 1977، والاتفاقية الدولية التي أصبحت نافذة، فيهما دعوة للدول المتضررة من نوبات الجفاف ومن غوائل التصحر، ومنها الدول العربية جميعاً، أن تضع كل دولة لنفسها خطة عمل وطنية، وأن تؤسس الادوات الوطنية التي تعمل على تنفيذها وعلى حشد الامكانات العلمية والبشرية والموارد المالية التي تتحقق بها استدامة العمل لاستكمال تنفيذ الخطة. في الاقليم العربي مركز ناشط لدراسات الأراضي الجافة والمناطق القاحلة، وفي بعض الدول العربية مراكز لبحوث الصحراء، ومع ذلك تبقى البرامج الوطنية لمكافحة الصحراء في أغلب الدول العربية (ما عدا تونس والسودان) قاصرة بطيئة الخطو متواضعة العزم. ويظل التصحر ينهش الأراضي العربية المنتجة، وهي أراضي الزراعة المطرية والمروية وأراضي المراعي.
لدينا العلماء والمال ... فمتى الإرادة السياسية؟
هذا السرد الموجز للجهود العلمية الدولية في مجالات تتصل بتنمية الموارد الطبيعية لم يتضمن الاشارة الى برامج دولية في مجالات العلوم المتقدمة، مثل الذرة والفيزياء وغيرها. قصد هذا السرد بيان مدى قصور الجهد العلمي العربي عن الاسهام الايجابي في الجهد العالمي، وعن حشد قواه ليعاون في متابعة التغيرات البيئية التي تتهدد العالم جميعاً. مثال ذلك أن العالم العربي ما زال في موقف المتفرج من دراسات العالم لظاهرة تدهور درع الاوزون في طبقات الجو العليا (الستراتوسفير)، ولو تدهور هذا الدرع لتضرر العالم أجمع،ً بما فيه الاقليم العربي، وهي كارثة لا تصيب الذين ظلموا خاصة. وما زال العالم العربي في موقف المتفرج من الدراسات العلمية المتقدمة لقضية تغير المناخ، بينما الدراسات العالمية تنبه الى مخاطر تتصل بمستقبل المطر شرق افريقيا حيث منابع نهر النيل، والى المخاطر المتصلة بغرق النطاقات الشاطئية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وتمدد مياه المحيطات وذوبان جزء من كتل الجمد في المناطق القطبية، علماً أن النطاقات الشاطئية العربية ممتدة آلاف الكيلومترات.
سّرني تقرير نشرته مجلة "العلوم" الاميركية (عدد 7 نيسان أبريل 2006) عن مدينة العلوم الحديثة تبنى في دولة قطر، ومشروعات شبيهة في امارتي دبي والشارقة. هذه نقط مضيئة في دول الخليج. مجلوبة من الخارج، نرجو أن تتهيأ لها ظروف الانبات ومد الجذور في التربة المحلية.
لدى المنطقة العربية رجال علماء قادرون، وبين يديها المال، ولكن ينقص العزم والارادة السياسية.
ان أعداء الأمة العربية يحبون ان تظل البلاد كما يصفونها شامتين "صحارى العلوم". وأبناء الأمة العربية يحبون أن تنهض بلادهم وأن تجعل من همها الاسهام الملموس في التقدم العلمي، وأن تقفز من مواقع المتفرجين الى مواقع العاملين والفاعلين.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.