توصّل قادة دول منطقة اليورو إلى اتفاق بالإجماع على برنامج مساعدات ثالث لليونان يمنحها فرصة، ربما تكون الأخيرة، لتصحيح أداء اقتصادها ودفعه نحو النمو. وبموجب الاتفاق ستتمكن أثينا من إعادة هيكلة ديونها والحصول على تمويل في إطار برنامج إقراض على ثلاث سنوات قيمته 86 بليون يورو يدعمه صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي.
أزمة الدين الحكومي اليوناني هي حصيلة تراكم عدد من الممارسات الاقتصادية الخاطئة التي تقوم بشكل كبير على تمويل النمو من خلال القروض والسندات السيادية، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001 وما تبعها من ركود في قطاع النقل الجوي، يُضاف إلى ذلك تضخم الفقاعة الاقتصادية المتمثلة بارتفاع الأجور والإنفاق العام في مقابل تراجع مصادر الدخل الوطني وانخفاض مؤشرات النمو.
من أسباب هذه الأزمة، ومظاهرها في ذات الوقت، انتشار الفساد وازدياد التهرب الضريبي، حتى أن أحد السياسيين اليونانيين وصف التهرب الضريبي على أنه "الرياضة الوطنية" في اليونان، حيث يصل مجموع الضرائب التي يتم تفويتها على خزينة الدولة ما يقارب 30 بليون يورو سنوياً، وهذا يعني أن اليونان في غنى عن برنامج المساعدات الأوروبي، شريطة أن يلتزم كل مواطن فيها بتسديد ما عليه من ضرائب، وهذا ما يبدو صعب التحقيق.
إن تقييم المؤشرات البيئية لليونان يدل على وجود خلل في البنية الاقتصادية الاجتماعية في اليونان يتنامى منذ نحو خمسة عشر عاماً. يمكننا أن ندرك مثلاً أن دولة مثل اليونان، وكذلك إيطاليا وإسبانيا والبرتغال، تعاني من مشاكل اقتصادية جوهرية بمجرد تحليل الأداء في قطاع إدارة النفايات الخاصة بها. فهي ذات معدلات إنتاج للنفايات أقل من غيرها، وتميل طبيعة النفايات فيها لأن تكون ذات محتوى عضوي كبير يرافقه محتوى أقل من المواد القابلة للتدوير، كما أن معدلات الاسترجاع بالترميد والتحويل إلى سماد والتدوير وإعادة الاستخدام تكون منخفضة.
إن مؤشرات إدارة النفايات الصلبة في الدول الأوروبية التي تعاني اقتصادياً لا تختلف كثيراً عن المؤشرات المقابلة لها في الدول العربية غير النفطية، وبالأخص الدول العربية المطلة على البحر المتوسط. وفي ذات الوقت نجد أوجه تشابه كثيرة في الممارسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا ما يدعم فرضية أن كمية النفايات ونسب تركيبها وطريقة التعامل معها تعطي على الدوام صورة حقيقية عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأفراد والمجتمعات على حد سواء.
لا يمكن للقروض والمساعدات المالية فقط أن تعالج الأزمة المالية التي تطرق بعنف أبواب أثينا وجدرانها، فهي أزمة مركّبة اقتصادية واجتماعية وسياسية في آن واحد ويتعذر تجاوزها دون إحداث تغيير عميق في التفكير والممارسة على مستوى الأفراد والمؤسسات بضرورة تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وذلك لا يمكن تحقيقه إلا بتطبيق قواعد التنمية المستدامة وتبني أساليب الاقتصاد الأخضر وتعزيز العدالة المدنية والمسؤولية المجتمعية.
إن أوجه التشابه الكثيرة بين العديد من المجتمعات العربية والمجتمع اليوناني تجعل من الأزمة اليونانية حالة دراسية واختباراً موضوعياً للباحثين وراسمي السياسات التنموية العرب، وهي فرصة معتبرة لتقييم الإخفاقات والنجاحات التي تحققها اليونان في تغيير برامجها الاقتصادية والاجتماعية، ومراجعة الإجراءات المتبعة في تعزيز مشاركة المواطنين وردود أفعالهم تجاه هذه البرامج. ولعلنا إن لم نستفد حتى الآن من تجارب مجتمعات تشبهنا حققت نجاحاً كتركيا وماليزيا قد نستفيد من تجربة دولة تواجه أزمة عميقة كاليونان.
|