لمواجهة البرد القارس، ووضع حدّ للهجرة المناخية في المغرب، ينبغي توفُّر إرادة سياسية حقيقية ورؤية استراتيجية وطنية متكاملة ومستدامة.
يعرف المغرب هذه الأيام موجة من البرد القارس، التي لا تضرّ فقط بسكّان الجبل والمناطق النائية، بل بفقراء المدن. وهذا يفرض استعدادات استباقية لمواجهة آثارها السلبية على السكّان، خاصة الأُسر في وضعية هشّة، التي تجد صعوبة في توفير الحطب ووسائل التدفئة.
وحسب دراسات دولية ووطنية، يواجه المغرب تغيُّرات مناخية تجعله عرضة للكوارث الطبيعية الحادّة كالجفاف والفيضانات والزلازل وندرة موارد المياه، إضافة إلى الانعكاسات المناخية على أوضاعه السوسيو-اقتصادية. ولعل الأمر الذي لم تنتبه إليه جلّ الدراسات والتقارير والأبحاث، ولا تصنّفه ضمن الكوارث الطبيعية، والذي أصبح يؤثّر بشكل كبير على الأوضاع العامة لمختلف البلدان، خاصة تلك السائرة في طريق النمو، هو البرد القارس، الذي أصبح حالة عامة في السنوات الأخيرة، ويؤدي بشكل كبير إلى خسائر اقتصادية واجتماعية وبشرية.
الدول المتقدمة نفسها تجد صعوبة في مواجهته، إذ ان البرد القارس يودي بحياة عدد كبير من الناس، ويعطّل حراك التنقل والدراسة ومعهما الحركة الاقتصادية، رغم كل الإمكانات التي تتوفر لدى تلك الدُول من بنيات تحتية متطوّرة وتكنولوجيا عالية ووسائل مادية. لكن الأمر يزداد صعوبة في الدُول الهشّة، ومنها المغرب، حيث تنعدم البنيات التحتية اللازمة، والإمكانات الضرورية لانقاذ المواطنين، خاصة الذين يسكنون في المناطق الجبلية النائية، ويرزحون تحت وطأة البرد والجوع والمرض.
والغريب في الأمر أن الجهات المسؤولة تعي الظروف اللاإنسانية التي يعاني منها سكّان تلك المناطق ومعهم فقراء المدن كل فصل شتاء، إلا أنها عوض العمل على تحسين إطار العيش وتجهيز تلك المناطق بالمرافق الاجتماعية الضرورية، وتأهيل الطرق لفك العزلة عنهم، تفضّل انتهاج "سياسة ترقيعية".
حان الوقت لتجاوز سياسة الترقيع، بشنّ سياسة مجالية ترابية عادلة، تراعي حاجيات السكّان وتحفظ كرامتهم، فالأجيال تتغيّر، وسقف مطالبها يتحوّل.
في سبيل مواجهة البرد القارس والجوع والمرض، ووضع حدّ للهجرة المناخية في المغرب، ينبغي توفر ارادة سياسية حقيقية، ورؤية استراتيجية متكاملة ومستدامة، مما يستدعي:
- توفير بنية تحتية تسمح لسكّان الجبل استخدام التقنيات المعاصرة في التدفئة بدل الاعتماد على الحطب الذي يجدون صعوبة كبيرة في الحصول عليه.
- أن تضع الجماعات المحلية (المجالس الجماعية والجهوية) برنامجاً تنموياً مستداماً بالشراكة مع الدولة من أجل فكّ العزلة عن سكّان المناطق الجبلية، بتوفير بنيات تحتية كالطرق والمسالك، الماء الصالح للشرب، الكهرباء، تنويع المشاريع المدرّة للدخل للنساء والرجال، النهوض بالقطاعين الاجتماعي والثقافي (مستشفيات، مدارس، ملاعب رياضية، دور للشباب، مكتبات ومعاهد ثقافية).
- أن تعمل الجهات المسؤولة على تشجيع الفعل الجمعوي والتعاوني في تلك المناطق، حتى يتمكّن السكّان من الاعتماد على ذواتهم.
- أن تقوم الوزارة المكلّفة بالانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، المندوبية السامية للمياه والغابات، ووزارة السياحة، بوضع شراكات مع سكّان المناطق الجبلية لبلورة مشاريع خضراء، كالسياحة الجبلية والمتاحف الطبيعية الإيكولوجية والفنادق الخضراء التي تحمل توقيع المنطقة ومطاعم "بيو" تحمل بصمة مناطقها، وتعمل على تشجيع السكّان على استقبال السياح الأجانب في بيوتهم مقابل ثمن موحّد.
-الترويج لهذه المناطق إلكترونياً في إطار السياحة الخضراء، لأنها أصبحت أكثر السياحات المدرّة للدخل والعملة الصعبة.
الأكيد أنه بتحسين إطار عيش سكّان المناطق الجبلية، سيشعر الناس بالدفء المجتمعي، هذا سيمكّنهم من مواجهة كل أشكال قساوة المناخ، وتوفّر لهم حياتهم الجديدة آليات جديدة للتكيُّف المناخي.
عبد المجيد بوشنفى، رئيس الجمعية المغربية للإعلام البيئي والمناخ