لعل أبرز ظاهرة تقلق العالم اليوم هي التغيُّر المناخي وما نجَمَ، وينجُم، عنها من كوارث طبيعية على رأسها الجفاف، الذي أدى، ويؤدي، إلى تراجع الموارد المائية على مستوى العالم، مما سيشكّل خطراً على الوجود الإنساني.
وما زالت التقارير الدولية، الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) وهيئات علمية ومدنية متخصصة في الماء، تدق ناقوس الخطر في ما يخص التدهور المائي، وتنصح الدول ببلورة برامج ومشاريع وسياسات للحفاظ على الثروات المائية المتوفّرة وعقلنة تدبيرها.
وإذا كان المغرب يتميّز بخاصية الإستقلال المائي، فإنه يواجه الآن تراجعاً ملحوظاً في موارده المائية، وكل المؤشرات الموضوعية والدراسات الوطنية والدولية، تُنبئ أن المغرب سيكون مهدداً بالعطش مع حلول 2030.
ويُجمع الباحثون في المجال المائي، أن الإجهاد المائي الذي يعرفه المغرب ناتج عن غياب استراتيجية حاكمة في مجال الزراعة، نتيجة التركيز على زراعة تصديرية مثل البطيخ الأحمر والأفوكادو، التي تستهلك كل عام أكثر من 15 مليون متر مكعب، وتتسبب في استنزاف المياه الجوفية. إضافة إلى أن 40 في المئة من المياه الصالحة للزراعة تتعرض للهدر بفعل تقادم قنوات الري والتسرُّب الجوفي.
ورغم أهمية سياسة السدود التي نهجها المغرب منذ الإستقلال لتحقيق الأمن المائي، إلا أن جلّ الباحثين يرون أنها غير قادرة على مواجهة العطش المحتمل، ويدعون إلى ترشيد استعمال الماء، وعدم تلويثه، واجتناب المشاريع المفرطة في استهلاكه مثل إنشاء ملاعب الغولف، واختيار المحاصيل الزراعية التي لا تحتاج إلى ريّ كثيف.
ويُجمع المهتمون بالشأن المائي أنه لمواجهة الإجهاد المائي في المغرب، إضافة إلى بلورة مشاريع ومخططات مائية، لا بد من صياغة آليات تواصلية فعّالة لبناء وعي مائي مجتمعي.
وهنا يحتل الإعلام البيئي الصدارة في الترافع على التدبير العقلاني للماء واستدامته، فكيف ذلك؟
تملك الصحافة البيئية الخبرة المعرفية والتقنية والأدوات لبلورة خطاب وبرنامج إعلامي تواصلي غايته بناء وعي مائي مستدام، من خلال المساعدة في جملة من الأمور، أهمها:
• إدخال المعلومة المائية في إطار ديمقراطي، يدعم سياسة الشفافية المائية ويعزز المقاربة التشاركية في تدبير الشأن المائي باعتبار الماء حقاً أساسياً من الحقوق الدستورية التي أقرّتها بلدان عدة، كما الدستور المغربي لسنة 2011.
• مراعاة التنوُّع اللسني والثقافي الذي يتميّز به المغرب، إذ من الضروري أن يكون اختيار اللغة أو الصورة أو الإعلان أو الرسالة، مرتبطاً بالحياة اليومية للسكان، حسب الجهات والمناطق، والمدن والقرى.
• الوعي بالحماية الشرعية الدينية للماء: ضرورة استثمار الخطاب الإعلامي المحتوى والمخزون النفسي للناس، لارتباطه القوي بالمجال الديني، إذ يجب توظيف الآيات القرآنية الكريمة (فالماء ذُكر 63 مرة في القرآن الكريم) والأحاديث النبوية الشريفة للتحسيس بأهمية الماء.
• التعريف بأهمية القوانين البيئية والمائية، وآليات العقاب فيها (المتعلقة بإفساد وتلويث الماء وتخريب المنشآت المائية).
• التعريف بالشرطتين المائية والبيئية وتبيان أهميتهما، والتحديات والمشاكل التي تصادف عملهما.
• التعريف / وتحليل المجالس والإدارات المهتمة بالتدبير المائي: هل تعددها يفيد الحفاظ على ثرواتنا المائية أم أنه يشتت المجهودات ويهدر الوقت والأموال العمومية؟
• التحسيس بخطورة التسريبات المائية في الإدارات والمدارس والفنادق والمؤسسات العمومية والخاصة (رياضية، ثقافية، صناعية، اجتماعية، تجارية وخدماتية).
• التنبيه إلى خطورة سقي الأراضي الفلاحية في بعض المواقع غير المناسبة والملوّثة، لأن ذلك سيؤدي إلى منتوجات زراعية مضرّة بالصحة مع التأكيد على ضرورة تعزيز المراقبة في هذا المجال.
• التأكيد على ضرورة تعميم محطات معالجة المياه العادمة لسقي المنتزهات والحدائق وملاعب الغولف، والتعريف بالبرنامج الوطني لتطهير السائل.
• الحثّ على برامج وحملات تحسيسية مكثّفة في الوسط الفلاحي، لأن الفلاحة تستهلك ما يفوق 85 في المئة من الموارد المائية في المغرب، مع الدعوة إلى سياسة التنقيط وزراعات لا تحتاج الريّ الكثيف.
• ضرورة الانفتاح على المجتمع المدني والبحث العلمي للتعريف بأفكارهما وأبحاثهما ومبادراتهما وتصوراتهما في المجال المائي.
• التعريف بالمشاريع والمخططات المائية، مثل البرنامج الوطني للتزويد بماء الشرب ومياه السقي (2020-2027)، الذي تم إعداده وتقديمه إلى الملك محمد السادس عام 2020.
إن الرفع من الوعي المائي شرط أساسي وضروري لمواجهة الاجهاد المائي، لترشيده وتدبيره بشكل عقلاني، وهذا لن يتأتى إلا بتطوير فعل إعلامي تواصلي يستجيب للتنوُّع الجغرافي والثقافي واللغوي للمغرب وغيره من بلدان المنطقة.
عبد المجيد بوشنفى، رئيس الجمعية المغربية للإعلام البيئي والمناخ