المزاد العالمي

 

نحن في عصر جديد من محدوديات الموارد. فالبشرية تتجاوز حدّ الاعتدال العالمي، إذ تستهلك من الموارد المتجددة والخدمات الإيكولوجية ما يتجاوز قدرة محيطنا الحيوي على التجديد والتعويض. ويرتفع عدد البلدان التي تعتمد بشكل متزايد على موارد لا تملكها. ونتيجة لذلك، يتنافس مزيد من بلدان العالم على الرأسمال الطبيعي المحدود للأرض. إننا ندعو هذه الدينامية الجديدة «المزاد العالمي» (TheGlobalAuction).

في المزاد، ليس دخلك المطلق هو الأهم، بل دخلك النسبي مقارنة بجميع المزايدين الآخرين. افترض، على سبيل المثال، أن دخلك ازداد ضعفين، أو حتى ثلاثة أضعاف. مع ذلك، ستكون في وضع غير مؤات لدى عرضك أسعاراً في مزاد، بما في ذلك مزاد الموارد العالمية، إذا ازداد دخل الآخرين أربعة أضعاف في الوقت ذاته.

بيانات شبكة البصمة البيئية العالمية (GFN) التي وردت في أحدث تقرير للمنتدى العربي للبيئة والتنمية «أطلس البصمة البيئية والموارد الطبيعية في البلدان العربية»، تسلط الضوء على الصراع المتجذر بين اتجاهين رئيسيين يحددان طبيعة المزاد العالمي: ازدياد الطلب البشري على موارد الأرض وخدماتها المحدودة، وانخفاض الدخل النسبي لكثير من الناس.

القدرة البيولوجية، أي الأراضي والبحار المنتجة للموارد والخدمات الايكولوجية، لا تستطيع مواكبة الطلب البشري المفروض عليها. جميع البلدان العربية الـ 22، ما عدا اثنين، التي تم تحليل بياناتها في تقرير المنتدى الجديد، هي اليوم «مستدينة من حيث القدرة البيولوجية»، ما يعني أن طلبها على الموارد المتجددة ونظم تخزين الكربون يفوق ما تستطيع نظمها الإيكولوجية توليده. وبشكل إجمالي، يفوق طلبها الراهن قدرتها البيولوجية بنحو ثلاثة أضعاف. وبالمقارنة، في العام 1961، كان لدى جميع البلدان العربية التي شملها تقرير المنتدى مجتمعة قدرة بيولوجية تزيد 80 في المئة على طلبات سكانها آنذاك.

شهد اتجاه الدخل تحولاً جوهرياً أيضاً. ففي كثير من البلدان العربية، ربما ازداد معدل الدخل المطلق للسكان، لكن حصتهم من الدخل العالمي انخفضت. على سبيل المثال، يكسب سكان الأردن أو سورية حالياً من الدخل العالمي الاجمالي أقل 45 في المئة مما كانوا يكسبونه قبل 30 عاماً (مقيساً بالدخل الوطني الاجمالي وفق إحصاءات البنك الدولي). وفي المغرب، يحصل السكان في المتوسط على 23 في المئة أقل من الدخل العالمي، مقارنة بما كانوا يحصلون عليه قبل ثلاثة عقود. وحافظ سكان مصر على حصتهم من الدخل العالمي، لكن بمستوى دخل هو فقط ثلث المعدل العالمي، وبعجز متزايد سريعاً في القدرة البيولوجية (على سبيل المثال، استهلكت مصر عام 1970 نحو 1,4 ضعف ما استطاعت قدرتها البيولوجية توفيره. وحالياً يبلغ طلبها 2,6 ضعف الإمدادات المحلية).

هذا الاتجاه المزدوج، الذي يجمع بين ضعف القدرة على المزايدة وتوسع العجز في القدرة البيولوجية، يخلق تحدياً جديداً للبلدان: فبما أن جميع البلدان تساهم في اقتصادات مترابطة بشكل متزايد، فان انخفاض المداخيل النسبية يصعِّب قدرة المستدينين الإيكولوجيين على المنافسة في السوق العالمية للموارد المحدودة.

قبل بداية المزاد العالمي للقدرة البيولوجية، حينما كانت الموارد وافرة، نادراً ما أثر انخفاض الدخل النسبي على اقتصادات البلدان. ففي عصر الموارد الوفيرة، كانت إمدادات البضائع والموارد مقيدة فقط بطلبات السوق. أما في عالم اليوم، حيث أصبحت تكاليف الموارد عاملاً جوهرياً في الإنتاج، يصبح اتجاها القدرة البيولوجية والدخل النسبي عاملين رئيسيين للنجاح أو الفشل الاقتصادي.

تحتاج البلدان التي تعاني عجزاً في القدرة البيولوجية، لكي تبقى منافسة اقتصادياً، الى أدوات جديدة لقرارات سياسية واستثمارية ناجحة. فالاتجاهات ليست قدراً، إلا إذا لم تعالج.

هذه الدينامية الناشئة هي محط اهتمام التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية. ويبين التقرير أن بإمكاننا تقصّي هذه الاتجاهات، وأن ثمة خيارات يمكننا اتخاذها، وأن هذه الخيارات مهمة. الأمر بهذه البساطة.

المخططون الاقتصاديون والمستثمرون في القطاع الخاص الذين يتجاهلون هذه الحقيقة الجديدة يعِّرضون مواردهم للخطر. أما أولئك الذين يتقصّون هذه الاتجاهات ويطورون سياسة لعكسها، فلديهم فرصة طيبة للنجاح. وقد ركز المنتدى اهتمامه على هذا الموضوع بسبب التزامه ازدهار المنطقة العربية. وإننا نثني عليه لاتخاذه هذه الخطوة الشجاعة في توثيق تلك الاتجاهات واستكشاف تأثيراتها في مستقبل المنطقة.