|  
                                       قراءات في علم نفس الطبيعة التنموي: الطيور الغاضبة والمزرعة السعيدة تساهمان في حماية الطبيعة   
 
 يُعتبر علم نفس الطبيعة التنموي (Nature Developmental Psychology) أحد أهم العلوم الطبيعية الحديثة الذي وضع أسسه الباحث الفرنسي فلوران بلانشيه خلال مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي.   يتناول هذا العلم الظواهر الطبيعية من منظور نفسي وتطبيقي، حيث يعتبر أن الموارد الطبيعية بجميع أشكالها هي بمثابة كائن حي ينشأ ويتطوّر تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية تلعب دوراً هاماً في نفسية هذا الكائن. وقد جاءت الأبحاث التطبيقية الحديثة لتؤكّد أن مصطلح "أمنا الطبيعة" (Mother Nature) المتداول منذ آلاف السنين ليس فقط تعبيراً ميثولوجياً بحتاً بل هو أيضاً مصطلح علمي بدرجة لا ترقى إلى الشك.   في هذا المجال يقول بلانشيه: «من المدهش أن القواعد العامّة لعلم نفس الطبيعة التنموي كانت سائدة قبل سبعة آلاف عام، ويظهر ذلك في الرسوم والنقوش التي تركتها لنا حضارات بلاد ما بين النهرين (في العراق) والموروث المتناقل بين هنود الأباتشي في أميركا الشمالية. إن التفكير الإيجابي الذي مارسته هذه الشعوب على "أمنا الطبيعة" كان له تأثير نفسي هام على البيئة، ولا سيما في الحفاظ على سلامة طبقة الأوزون طوال تلك العصور».   أحد أهم التطبيقات الشائعة لعلم نفس الطبيعة التنموي يتمثّل بالتأثير الإيحائي المدمج في لعبة الطيور الغاضبة (Angry Birds) التي أنتجتها شركة "روفيو" الفنلندية بالتعاون مع فريق بحثي متخصص. فقد أثبتت الدراسات التحليلية أن هذه اللعبة ساهمت إلى حد بعيد في تراجع اصطياد الطيور في عدد من الدول الأوروبية ودول أميركا الجنوبية ولا سيما البرازيل، كما أدّت بشكل غير مباشر إلى ارتفاع أعداد الصقر الحر في روسيا وآسيا الصغرى ومنطقة الخليج العربي بزيادة لا تقل عن 145 في المئة.   وقد استفادت شركة زينكا الأميركية من هذه النتائج، فعملت لاحقاً على لحظ توصيات علم نفس الطبيعة التنموي في لعبتها الشهيرة "المزرعة السعيدة" (FarmVille). وقد كان لذلك نتائج مفاجئة، حيث يُعتقد إلى حدّ بعيد أن أنماط الاقتصاد الزراعي والعودة إلى الطبيعة التي تتبناها هذا اللعبة انعكست إيجاباً على أرض الواقع، وأدت إلى زيادة إنتاجية محصول الرز في شرق آسيا وارتفاع أعداد قطعان المواشي في أوستراليا بنسب تتراوح بين 160 و180 في المئة. وهذا ما يعزز أهمية علم نفس الطبيعة التنموي ويزيد إقبال الكثيرين على التخصص فيه سنوياً.   ربما لم يسمع بعضكم بهذا الاختصاص العلمي من قبل، وهذا أمر غير مستغرب. ولكن الغريب في الموضوع أن علم نفس الطبيعة التنموي لم يجد طريقه بعد إلى الدول العربية مثلما فعلت "علوم" أخرى كالبرمجة اللغوية العصبية والتنويم الإيحائي وعلم الفلك (التنجيم والتبصير).   إذا سمحت لي "مجلة البيئة والتنمية" بكتابة ثلاث أو أربع مقالات أخرى عن هذا "العلم"، الذي قمت بفبركته، فلن استغرب إذا رأيت بعد عدة أشهر إعلانات عن منح دراسية ودرجات ماجستير ودكتوراه في علم نفس الطبيعة التنموي من كبرى الجامعات الأميركية والبريطانية... الوهمية طبعاً!   |