|  
                                      يطلق العلماء على الطفيليات اسماً مشتقاً من الكلمة اللاتينية "بارازيتوس"، ومعناها "الآكل على موائد الآخرين". لا غرابة إذاً أن تكون سيرتها غير مستحبة، وأن تثير هيئاتها مشاعر التقزز والتخوف. ويندر أن تجدها محتفى بها بين مقتنيات متاحف العلوم، فمهما حاول الفنيون تجميلها، فإن خبرة الناس بقبحها وشرها كفيلة بتنفيرهم منها. 
 من العلماء الذين يهمهم تجميل وجه الطفيليات الباحث الكندي الدكتور دانيال بروكس، الذي أمضى جانباً كبيراً من حياته العملية يدفع عن هذه الكائنات الاتهام بالدناءة، ويحاول تبديد التصورات الخاطئة الشائعة عنها. وهو يزعم أنها كائنات جديرة بالإعجاب، وإذا كان بعض من يعولها من الكائنات يموت تحت وطأتها، فإن الطفيلي لا يسعى إلي قتله متعمداً، فمن مصلحته يبقيه العائل صحيحاً معافى. الأكثر من ذلك أن الدكتور بروكس يرى أن تاريخ الحياة على سطح الأرض كان، في معظم فصوله وتحولاته، صراعاً بين الطفيلي والعائل، اشتمل على سباق للتسلُّح، فكان على كل منهما أن يسعى لتحقيق أهدافه مستعيناً بالمتاح من الأسلحة، وكلما نجح العائل في إيجاد ثغرة في دفاعات الطفيلي، سارع الأخير بتدعيمها. 
 الدكتورة مارلين زوك، أستاذة علم الحياة في جامعة كاليفورنيا، تشارك الدكتور بروكس حماسته للطفيليات، وترى أن تأثيرها على الحياة أعمق مما نتصور. فهي قادرة على تغيير ســلوكيات الكائنات الحية واسلوب حياتها، بل تتدخل أحياناً في تحديد ملامح الجسم وألوانه. وتسوق لنا زوك مثالاً طريفاً، فهي تعتقد أن تخطيط جلد الحمار الوحشي كان ضرورة لتفـادي هجمـات ذبابة "تسـي تسـي" التي تعيش على دماء الحيوانات في الوسط والجنوب الأفريقيين وتنقل إليها طفيلياً أوَّليَّــاً هو "تريبانوسوم"، الذي يسبب مرض النوم عند الإنسان وبعض الحيوانات، وتبدأ أعراضه بالحمى والأنيميا، وينتهي غالباً بموت الضحية. فتلك الذبابة المرعبـــة لها القدرة على تمييز الأسطح ذات الألوان الداكنة، فتختصها بهجماتها المركَّزة. من هنا، كان تخطيط جسم الحمار الوحشي حيلة للتمويه على ذبابة "تسي تسي" ومضاعفة فرصة الحمار في النجـاة من لدغاتها القاتلة. 
 ومما يؤكد أن الطفيليات تعي ما تفعل، وتحكم خططها لتضمن استمرارها في منظومة الحياة، ما يرويه أحد العلماء عن نوع من القراد يتطفل على نوع من الفراشات، ولكن سلوكه التطفلي لا يجعله يضحي بالعائل، بل يحرص كل الحرص على صون حياته. فالقراد الطفيلي يستحب العيش في آذان الفراشات. ولقد لاحظ ذلك العالم أن القراد لا يحتل من الفراشة سوى أذن واحدة، تاركاً الأخرى سليمة فعالة. ولما تقصى الأمر، وجد أن الفراشة تتحسس طريقها باستقبال وتفسير موجات فوق صوتية تصل إلى أذنيها من الوسط المحيط بها، فإن هي فقدت صلاحية الأذنين إذا سدهما القراد صارت صماء عمياء، وتخبطت في طريقها، وكانت فريسة سهلة لكائن آخر يعتبرها غذاءه المفضل هو الوطواط.  فرأى القراد أن يكتفي بأذن واحدة، لتبقى الأخرى عاملة. 
 وقد يبدو القراد بهذا السلوك رحيماً بالفراشة. والحقيقة أنه، بالدرجة الأولى، يصون وجوده، فالوطواط إذا قنص الفراشة لن يبتلعها وحدها. تأمل سلوك القراد، وانظر حولك، تجده من أسس ثقافة الفساد والمفسدين.   |