|  
                                      في الشهور الأخيرة من السنة الأخيرة من القرن التاسع عشر، كان الناس مشغولين باستقبال القرن الجديد، وكانت الحضـــارة البشــرية  بدأت خطواتها الأولى في عالم التكنولوجيا، كما كانت فروع العلوم المختلفة تشــهد تطورات ضخمة متسارعة. وفكَّـرت وكالة أنباء أميركية أن تدعو ســبعين شخصية أميركية بارزة، لكتابة مقالات قصيرة حول تصوراتهم لما سيكون عليه شــكل الحيــاة بعد مئة سنة، أي في العام 1999. وجمعـت الوكالـة ما كتبه هـؤلاء، ونشـرته في كتاب.   من الذين قدموا تصـــوراتهم في هذا الكتاب وزير الخزانة الأميركية في مقالته أنه يتوقع اســـــتمرار احتفــــــاظ الســـكك الحديد بمكانتها كأســـرع وســـيلة مواصــلات. أمَّــا السيناتور جون إنغلز، فقد أطلق لخياله العنـــان، وأورد في مقالته أن الناس سيكون بمقدورهم أن يستخدموا الهاتف لاستدعاء منطـــاد خاص، ينقلهم من مكان إلى آخر  داخل المدن، بالسهولة ذاتها التي كانوا يطلبون بهــا العربات التي تجــرُّها الخيــول في ذلك الزمن. غير أنه عاد وأعطانا توقعاً آخر، صحيحــــاً هــــذه المرة، في ما يخص الهاتف، إذ قـــــال إن الهاتف سيحل محل أجهزة البرق الكهربائية وأنه سيكون وسيلة للاتصـــالات بسيطة وعملية، وستجدها في كل بيت ومكتب. واجتذبت وسائل الموصلات مشاركاً آخر، وكان صحافياً، وكانت تكهناته أقرب إلى التوفيق، إذ تحدث عن ظهور الطائرة كوسيلة مواصلات أساسية، تربط بين قارات العالم، وتختصر زمن السفر. ثم جنح به الخيال أكثر من اللازم، فتصوَّر أن الطائرة، في أيامنا هذه، ستعمل بالكهرباء. واستمر جنوح الخيال عند ذلك الصحافي، فكتب عن تصــوُّرٍ عجيب لنظام المواصلات داخل المدن، إذ استبعد  قطارات الأنفاق، وقال إنها تثير الرعب في النفس، على عكس قطارات الأنابيب الزجاجية، الســطحية،  المبهجة، التي تحمي الركاب من البلل عند سقوط الأمطار والثلوج .   من التوقعات التي نلمس تحققها في أيامنا هذه انتشار أجهزة تكييف الهواء في المنازل والمكاتب. والذي توقع ذلك لم يستطع تخيلها في وسائل المواصلات أيضاً. كما تحقق حصولُ المرأة على حق الإدلاء بصوتها في الانتخابات العامة، وكانت محرومة من هذا الحق. وأيضاً، نجح أحد المهندسين في التنبُّؤ باستخدام مادة الألومنيوم في أعمال التشييد والبناء، في عمــارة القرن العشــــــريـن.   وكان بين المشاركين في هذا الكتاب الفريد بعض الرجال الطيبين المتفائلين جداً، والمستبشرين بمستقبل العالم، وبالوجه المشرق للتقدم التكنولوجي. وقد أفرط أحدهم في التفاؤل، إلى درجة أنه توقع أن تنتهي الحروب، وأن تختفي البطالة، ويتلاشى الفقر، ويسود العدل، وأن الإنسان نفسه سيرقى، ويصير أكثر حكمة ونقاء . ومن هؤلاء المتفائلين، أيضاً شاعرٌ كان يرى العالم وردي اللون، فتوقع أن يصير سكان العالم أكثر رشاقة، يتمتعون جميعاً بالصحة والسعادة، وأن يطول عمر الإنسان، فيصل إلى 120 سنة.   تُرى، هل تنجح محاولة مماثلة للتنبؤ بأحوال العالم سنة 2114؟   أغلب الظن أنها ستبوء بفشل ذريع، وستكون مثيرة لسخرية خلفائنا وتهكماتهم، فالعالم يتغير في كل صباح، وقد صار الخيال يلهث خلف الواقع.           |