|  
                                      من جماليات اللغة العربية أنها لغةٌ حمّالة أوجه، بمعنى أن العبارة أو الكلمة الواحدة يُمكن أن تُقرأ على عدة أشكال أو بعدّة صيغ قد تغيّر وجه الجملة ومعناها كلياً. يمكنك مثلاً أن تمدح الرجل صاحب الرأي السديد فتصفه بأنه "مصيب"، أما إذا استخدمت ذات الصفة على المرأة وقلت إنها "مصيبة" فقد يكون من الأنسب أن تلازم البيت عدة أيّام ريثما يخفّ ازرقاق عينيك.   الكثيرون خبروا ولا شك "جماليات اللغة العربية". فبعضهم عانى من سوء فهم الناس له، في حين أن البعض الآخر كان سريع البديهة يجيد التلاعب بالكلمات. ومن بين أفراد الفئة الثانية بعض الشخصيات العامّة التي تستطيع أن تصنع من البحر طحينة كما تجيد أن ترسم قصوراً في الهواء لا تتلاشى إلا بعد أن تقع الواقعة، وما أدراك ما الواقعة!   مفارقات اللغة العربية تصبح أكثر طرافةً إذا تورّط بها غير العرب. وقد تستغرب إذا علمت أن أكثر عبارة عربية يحفظها غير الناطقين باللغة العربية هي ليست "شكراً" أو "صباح الخير"، بل هي عبارة "إن شاء الله"، وللأسف فإن معرفتهم بهذه العبارة تنطوي على مفهوم التواكل الذي يتبناه الكثيرون من دون الأخذ بأسباب صيرورة العمل وحسن أدائه.   في سياق دراسة مشروع تنموي عربي، طرحت إحدى الشخصيات العامّة على الفريق الاستشاري الأجنبي رؤيتها للبلاد خالية من التلوث من خلال وضع الخطط المستقبلية الطموحة التي تهدف إلى تحقيق تدوير كامل النفايات ومعالجة الصرف الصحي حتى آخر قطرة.   وعلى أثر ذلك الاجتماع، قام الفريق الأجنبي بإعداد محضر داخلي عرض فيه وجهة نظر هذه الشخصية، ثم أضاف ملاحظاته بأن "تدوير كامل النفايات ومعالجة جميع المنصرفات هو هدف طموح بكل تأكيد، ولكن كخطوة أولى نتوقع أن يتم تأمين ترحيل النفايات من أمام المنازل وتنفيذ شبكة صرف صحي، إن شاء الله".   هذه الوعود الخلبيّة التي يجيد بعض المسؤولين إطلاقها، والبعيدة تماماً عن الواقع، ذكّرتني بقصة رواها الأديب اللبناني سلام الراسي عن أحد الناشطين في مجال حقوق الحيوان، الذي ذهب إلى إحدى القرى ليحاضر في ضرورة الرفق بالحيوانات وتأمين متطلباتها من غذاء وعلاج، فلم يجد مكاناً لمحاضرته أفضل من تلّة اعتلاها بالقرب من بركة اجتمع حولها الأهالي وهم يملأون الجرار بالماء ويضعونها على ظهور الحمير.   وفيما الناس مشغولة بهمومها غير مبالية بكلماته، علا صوت الناشط فجأة يريد لفت انتباه الأهالي إلى الظلم الذي يتعرض له الحمير بسبب الأثقال التي توضع على ظهورها. فاستثار بصراخه أحد الحمير الذي أخذ بالنهيق والشهيق. فاحتدمت الحمير بالحمير، ودار اللبيط والخبيط، وأسفرت المعركة عن تحطم بعض الجرار والأباريق.   أحاط الناس الغاضبون بصاحب الحمار وطالبوه بدفع قيمة الأضرار، فأجابهم أن حماره غير مسؤول لأنه سمع الأستاذ يتحدث عن حقوق الحمير فثارت حميّته وحدث ما حدث. فأطبق الأهالي على الناشط وأرغموه على دفع ثمن الجرار والأباريق. ثم أنشد صاحب الحمار يقول: شنهق حماري وثار من كلمتين صغار صدّق حكي الأستاذ مأكّد حماري حمار   |