Thursday 25 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
كاظم المقدادي السرطان يتفشى في الخليج  
نيسان (أبريل) 2007 / عدد 109
 تستضيف دولة الكويت في أواخر سنة 2007 مؤتمراً دولياً لمناقشة المشاكل البيئية التي تواجه منطقة الخليج. وقال الدكتور ألان موغيشي، رئيس معهد العلوم التنظيمية في واشنطن المشارك في تنظيم المؤتمر، ان هذه المشاكل الكبيرة لم تنجم عن الانشطة النفطية فقط بل أيضاً عن الحروب التي شهدها الخليج منذ العام 1980، وينبغي التعامل معها علمياً وعبر التعاون بين العلماء المختصين في المنطقة وخارجها. ومن المقرر أن يقوم وفد من العلماء الكويتيين بزيارة الولايات المتحدة في شهر نيسان (أبريل) الجاري لمناقشة الاعداد لهذا المؤتمر مع الدكتور ألان موغيشي والدكتور ريتشارد ويلسون، رئيس ادارة الفيزياء في جامعة هارفارد الذي سيترأس البرنامج التقني.
قبل عامين حذر الدكتور جون سيفر، رئيس الاتحاد العالمي لمكافحة السرطان، من أن أعداد مرضى السرطان فى دول العالم العربي تزايدت بشكل مخيف في السنوات الأخيرة، وهي تتراوح بين 100 و150 حالة جديدة لكل 100 ألف مواطن سنوياً.
وكانت مجلة «البيئة والتنمية» سباقة في نشر الكثير من الحقائق والمعطيات عن المشكلات البيئية والصحية المنتشرة في المنطقة، خاصة تلك التي برزت وتفاقمت منذ حرب تحرير الكويت عام 1991 نتيجة استخدام ذخائر اليورانيوم المستنفد، المصنعة من النفايات المشعة والسامة، وتجريبها من قبل القوات الأميركية والحلفاء لأول مرة في ميادين القتال «الحية»، واستخدامها مجدداً وبأنواع مطورة في حرب 2003. وهي سببت تداعيات خطيرة على المدنيين العراقيين، خصوصاً أمراض السرطان والتشوهات الولادية التي أصبحت جلية، بل صارخة، مهددة ليس الجيل الحالي فقط بل الأجيال القادمة أيضاً، بينما الأمم المتحدة وحكومات المنطقة تتفرج ولا تحرك ساكناً.
ولم تقتصر أضرار هذه الذخائر على العراق، بل طالت العديد من دول الخليج، وخاصة جيران العراق. وكان العالم الأميركي الكرواتي الأصل أساف دوراكوفيتش، الخبير بالذرة وبطب الإشعاع والذي كان عقيداً في الجيش الأميركي، حذر من أن غبار اليورانيوم المستنفد لا توقفه حدود. وأكد زميلاه البريطانيان داي وليامس وكريس باسبي انتقال هذا الغبار عشرات الكيلومترات مع الرياح.
استنفار سعودي ضد السرطان
ما نذكره هنا، وهو غيض من فيض، يؤكد المخاوف والتحذيرات المخلصة ويعكس جزءاً من الكارثة. فقد نبهت ندوة علمية عن سرطان الأطفال، نظمتها وزارة الصحة السعودية في آذار (مارس) الماضي في جدة، الى خطورة ارتفاع نسبة اصابة الأطفال بهذا المرض الخطير نتيجة تعرضهم لمواد كيميائية أو لجرعات اشعاعية. وأوضحت الدكتورة حسنة الغامدي، مديرة مركز الأورام في مستشفى الملك عبدالعزيز للأورام في جدة ورئيسة اللجنة المنظمة للندوة، أن هناك ارتفاعاً كبيراً في نسبة اصابة الأطفال بالسرطان، مشيرة الى أن مركز الأورام استقبل 628 حالة خلال عام 2006 وحده. وأكدت الأميرة علياء بنت عبدالله بن عبدالعزيز، رئيسة برامج خدمة المجتمع في جمعية الأطفال المعاقين، أن هذه الحملة تأتي في وقت تتزايد نسب الاصابة بهذا المرض في المجتمعات العربية والخليجية، والمملكة جزء من هذه المجتمعات، ولا بد من اتخاذ جميع الاحتياطات والاحترازات الوقائية لمواجهة المرض والقضاء عليه ومحاربته، من خلال تكاتف الجهود المجتمعية والانسانية والوقوف مع المرضى ودعمهم وتوفير الرعاية لهم.
وكانت تقارير نشرت قبل ثلاث سنوات تضمنت أرقاماً مخيفة، مؤكدة أن حرب 1991 التي استخدمت فيها ذخائر اليورانيوم تسببت في تعريض مساحات كبيرة  لمواد مشبعة باليورانيوم والزرنيخ والزئبق والكادميوم، وأدت إلى إصابة أكثر من 20 ألف شخص بالسرطان بمعدل 1500 حالة سنوياً، وتكليف الخزانة السعودية 5 بلايين ريال (1,3 بليون دولار) مع استمرار انتقال غبار هذه المواد عبر الرياح بين المناطق الشمالية.
وأفاد البروفسور زادا خانقاه، استاذ الزراعة البيولوجية في جامعة هانوفر الألمانية، أن هناك حاجة ماسة لعلاج الأراضي التي ما زالت مشبعة بالمواد المشعة من اليورانيوم، وغيرها من المواد الضارة، التي تؤدي إلى أمراض سرطانية وتكبد الحكومتين السعودية والكويتية خسائر مادية كبيرة. وأشار إلى أنه، على رغم انتهاء الحرب قبل نحو 15 عاماً، لم تبادر أي من الهيئات الحكومية أو الأمم المتحدة أو الجامعات الأهلية لمعالجة تلك الإشكالية التي أدت إلى وفاة العديد من الأطفال والرجال والنساء. وحذر خانقاه من أن بقاء تلك الأراضي من دون زراعة قد يتسبب في انتقال الأتربة والمواد الضارة من خلال الغبار والهواء إلى بقية المناطق الخليجية، لتزداد معها نسبة الإصابة بالسرطان والعقم والتشوه وغيرها من الأمراض المستعصية.
وكانت عالية الرويلي، مشرفة الأدوية والعقاقير في مستشفى المملكة بالرياض، ذكرت قبل ثلاثة أعوام أن مستشفيات السعودية تستقبل سنوياً 3100 حالة  جديدة لأمراض السرطان، مشيرة الى أن المنطقة الشرقية تستقبل نحو 500 حالة سنوياً، وجدة نحو 600 حالة، والرياض نحو 2000 حالة. وتكاليف علاج بعض تلك الأمراض تصل أحياناً إلى 10 آلاف ريال (نحو 2600 دولار) في الشهر. وأوضحت الرويلي أنه بعد حرب الخليج الثانية ازدادت بشكل ملحوظ نسبة الإصابة بسرطان الدم والمثانة والرحم، وهي تزداد سنوياً.
وأكد الدكتور أحمد العسكر، رئيس قسم أمراض وسرطان الدم في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية في الرياض، أن هناك 5000 إصابة بالسرطان تسجل سنوياً في السعودية، وان 25 في المئة منها إصابات بسرطان الدم والغدد اللمفاوية. وطالب العسكر، على هامش المؤتمر العالمي السادس لأمراض سرطان الدم، بإجراء دراسات ميدانية وبيئية للوصول الى نظرة شاملة عن السرطان والنواحي المسببة للمرض، إضافة الى نسبة الإصابة حسب المناطق. (''الشرق الأوسط''، 24/3/2007).
الكويت «نظيفة» وأرضها «خالية» من الإشعاع!
في حين سمحت السلطات السعودية بنشر معلومات وإحصاءات وأرقام عن الاصابات المرضية التي انتشرت بعد حرب الخليج الثانية، وفي مقدمتها الأمراض السرطانية، وهو خير ما فعلت، ظلت السلطات الكويتية متمسكة بموقف النفي والتعتيم وتكذيب التقارير التي تشير الى انتشار الأمراض السرطانية بعد حرب 1991. وضمن هذا النهج، ظل مدير إدارة الوقاية من الإشعاع في وزارة الصحة الكويتية يردد طوال عقد ونيف أن الكويت « نظيفة» وأرضها «خالية تماماً» من الإشعاع. ولم يكفّ عن ذلك حتى عندما أعلنت الصحف الكويتية  في أواخر شباط (فبراير) الماضي أن الكويت تستعد لنقل كميات كبيرة من المواد الملوثة إشعاعياً للتخلص منها في الخارج، في وقت طمأن تقرير دولي الى ان الأراضي الكويتية غير ملوثة بأي نفايات أو مخلفات اشعاعية، ونسبة الاشعاع فيها في حدودها الطبيعية. وقد أكد المسؤول المذكور أن «18 ألف برميل من الرمل، و200 دبابة، بالاضافة الى آليات وقذائف ومخلفات من العمليات العسكرية لتحرير الكويت، الملوثة اشعاعياً، جاهزة الآن لشحنها من أجل التخلص منها في منطقة في الولايات المتحدة الأمريكية»، لافتاً الى أن «تأخير عملية النقل كان بسبب ابقائها أو التخلص منها في أراضيها» (ناسياً أنه أعلن قبل سنوات أن 50 دبابة ملوثة باليورانيوم «ستدفن في أراض روسية»، وتبين في ما بعد ان السلطات الروسية لم تسمح بذلك). كما اعترف بأن جزءاً من النفايات المشعة ناتج عن انفجار سابق لمخزن للذخيرة في معسكر الدوحة، الذي يقع  في شمال غرب مدينة الكويت على بعد نحو 60 كيلومتراً من الحدود مع العراق، وهو كان أكبر المخازن الرئيسية لذخائر اليورانيوم المستنفد أثناء حرب الخليج الثانية . وأضاف أن «النفايات الملوثة خزنت في معسكر تابع لوزارة الدفاع في منطقة أم القواطي الصحراوية، وتخضع ملوثاتها الاشعاعية لرقابة مستمرة». وكالعادة، نفى التقارير التي تحدثت عن بقاء الدبابات الملوثة في أرض المعارك خمسة أعوام، زاعماً أنها «أزيلت بعد أشهر من تحرير الكويت»، مشدداً على أنه «لا توجد تأثيرات اشعاعية أو مخاطر على الانسان في الكويت». («الوطن» الكويتيـة 17/2/2007).
لن نخوض في مدى صحة إدعاءات المسؤول الكويتي، ونحيله الى تأكيدات الأطباء الكويتيين بشأن انتشار أمراض السرطان في الكويت منذ حرب تحريرها. ولنبدأ من آخرها، حيث أعلنت الدكتورة فايزة الخرافي، رئيسة الحملة الوطنية للتوعية بأمراض السرطان، أن السرطان هو «أحد أخطر الأمراض الذي بات منتشراً بكثرة في الكويت، وازدادت أعداد الإصابة به في الآونة الأخيرة، الأمر الذي بات يثير القلق لدى الجميع، وأصبح يستدعي توافر جهود جميع المؤسسات الشعبية والرسمية من أجل الحد من انتشاره بهذا الشكل الخطير». («بوابة العرب»، 7/2/2007). وقبلها أعلن زميلها الدكتور محمد القناعي، مدير اللجنة الطبية في الحملة، أن «الحاجة الى الحملة برزت بعد أن أظهرت الدراسات العلمية أن معدلات الإصابة بمرض السرطان في الكويت في ازدياد مستمر، وان متوسط عمر الإصابة هو 48 سنة، في حين ان نسبة النجاح في علاج السرطان تتجاوز 90 في المئة عند الكشف المبكر للمرض، وبالتوعية يمكن تقليل وفيات السرطان بنسبة 50 في المئة ». («كونا»،23/10/2006).
وكانت نتائج مسح توعوي حديث لمرض السرطان بينت أن أكثر من 90 في المئة من أفراد المجتمع الكويتي ليست لديهم معرفة ببعض أنواع السرطان، مثل سرطان القولون والمعدة والمثانة والبروستاتا، وأن أكثر من 90 في المئة ليست لديهم معرفة بالعوامل المسببة للسرطان، و50 في المئة لديهم هاجس مرض السرطان، و80 في المئة ممن شملهم المسح يعرفون شخصاً  على الأقل مصاباً بالسرطان.
وقال خالد الهاجري، رئيس جمعية الخط الأخضر الكويتية، انه لا يتوقع مستقبلاً جيداً للبيئة الكويتية، مشيراً الى «تخبط المسؤولين في مجلس الوزراء وعدم قدرتهم على معالجة القضايا البيئية أو وضعها على الطريق الصحيح». ووصف اللجنة البيئية في مجلس الأمة بـ«خيّال المآته»، محملاً الحكومة ومجلس الأمة مسؤولية تدهور الوضع، ومؤكداً أن «الأضرار الناتجة عن هذا التدهور ملموسة، فمن منا لم يلاحظ انتشار مختلف الأمراض التي طالت شريحة واسعة في المجتمع ولا سيما الأطفال؟» وعن الاستعانة بالخبرات الدولية في بعض الإدارات البيئية قال: «إذا كانت النتائج تأتي بما لا يتوافق مع هوى المسؤولين في الحكومة فلن نسمع نتائج على الإطلاق. والسبب أن الخبير الأجنبي لا يصرح بما لا تهواه الحكومة، بينما الخبير الكويتي لا يستطيع أحد أن يغلق فمه في بلده». («الحقيقة»، 14/2/2007).
مشكلة خليجية
الجدير بالإشارة أنه، على رغم التدهور البيئي الحاصل وانتشار أمراض السرطان، لم تقم السلطات المسؤولة في دول الخليج بإجراء دراسة علمية واحدة مشتركة لدور التلوث الإشعاعي الناجم عن استخدام ذخائر اليورانيوم المستنفد. وكان المركز الطبي لأبحاث اليورانيوم URMC، وهو مركز علمي دولي متخصص بالإشعاع والطب الذري ومقره في الولايات المتحدة وكندا، أثبت انتشار التلوث الإشعاعي عبر دراسة ميدانية واسعة شملت مناطق وسط العراق وجنوبه حتى الحدود الكويتية والسعودية، أجراها فريقه العلمي الذي ضم الكندي تيد ويمان والألماني سيغفرت ـ هورست غونتر والعراقي محمد الشيخلي.
أما أحدث دراسة للوضع البيئي في منطقة غرب آسيا، التي يعمل عليها حالياً خبراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بالتعاون مع هيئات إقليمية وستنشر في تقرير «توقعات البيئة العالمية» الرابع في نهاية السنة الحالية، فتؤكد أن حرب الخليج في 1990 ـ 1991 تسببت بأضرار بيئية جسيمة، خصوصاً في العراق والكويت والسعودية، وتم توثيقها في تقارير «توقعات البيئة العالمية» السابقة وتقارير أخرى، وبعد انقضاء 15 سنة، ما زالت آثار الضرر تظهر بوضوح على النظام الايكولوجي. وتضيف أن الوضع تدهور أكثر خلال الغزو الأخير للعراق، اذ تسبب انشاء التحصينات العسكرية، وزرع الألغام الأرضية، وازالتها، وانتقال الآليات العسكرية والجنود، بتشويه جسيم للنظم الايكولوجية والمناطق المحمية في الكويت والعراق. وفي الصحراء، سرّعت هذه الأنشطة انجراف التربة وزادت من حركة الرمال ومن حدوث عواصف ترابية ورملية. وتؤكد الدراسة أن القلق ازداد حيال استخدام ذخائر اليورانيوم المستنفد في حربي 1991 و2003. كما أدى انتشار الملوثات، بما في ذلك مواد مشعة، الى تلويث أكثر من 300 موقع في العراق. وفي بغداد نحو 800 موقع خطر، غالبيتها تتعلق بذخائر اليورانيوم المستنفد. وأظهر تقييم مفصل لخمس مناطق صناعية رئيسية تهديدات خطيرة لصحة الانسان وللبيئة. ودعت الدراسة الى اتخاذ اجراء عاجل لاحتواء المواد الخطرة. («البيئة والتنمية»، العدد 107، شباط/ فبراير 2007).
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيتناول المؤتمر الدولي المزمع عقده في الكويت المشكلات البيئية والصحية القائمة في منطقة الخليج والناجمة عن استخدام ذخائر اليورانيوم المستنفد؟ أم أن الموقف الحالي للمسؤولين، القائم على النفي والإنكار بعيداً عن الحقائق والواقع الصارخ، سينسحب على المؤتمر ومحاوره ونقاشاته وتوصياته، فيتجاهل المشكلة الراهنة وضحاياها بدلاً من مناقشتها بجدية وعلمية، والسعي لإيجاد الحلول العاجلة لانقاذ الضحايا وتنظيف المنطقة من الإشعاع؟
الدكتور كاظم المقدادي رئيس قسم الإدارة البيئية في الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.