تحمل حنان الكردي إصرارها وعنفوانها، وتمضي نحو باب الشمس تستقبل صباحات العاصمة عمّان بهمة وحب وانتماء. تركب شاحنة نفايات بتحدّ جميل مفعم بالأمل، لتحقق شعار ''بيئة نظيفة خالية من القمامة'' على أرض الواقع.
حنان الكردي امرأة أردنية أشبه ما تكون بنواة انتفاضة نسوية تجاه ما يدعى ''ثقافة العيب''. كسرت الـ ''تابو'' الاجتماعي والتحقت بأمانة عمان الكبرى سائقة لمركبة نفايات. لم تردعها نظرات الاستغراب أو الاستهجان من الناس لطبيعة عملها، ولا نظرة المجتمع الدونيّة لعامل القمامة أو سائق مركبة النفايات.
تعمل حنان من السابعة صباحاً حتى الثالثة عصراً، تلمم نفايات البشر بحسب قولها، وهاجسها أن تظل عمّان مدينة نظيفة. وهي تتقاضى راتباً شهرياً لا يتجاوز 120 ديناراً (170 دولاراً) رغم أنها تعيش أوضاعاً مهنية صعبة، ما يدفعها لأن تعمل ساعات إضافية لتحصل على 50 ديناراً أخرى. مع ذلك، تصر على البقاء في هذه المهنة، الى جانب زملائها الرجال الذين يزيد عددهم في دائرة النقل على 20 سائقاً.
تقول: ''مديري المباشر في الأمانة لا يميز بيني وبين زملائي الرجال من حيث طبيعة العمل أو الامتيازات، ولكن ما يحزنني تجاهل الإدارة صرف حوافز مالية تشجيعية، بجانب المعنوية، للاستمرار بهذا العمل الذي أحبه''. لكنها تحاول تحسين ظرفها المالي الصعب. فبعد الانتهاء من عملها الرسمي مباشرة، تخوض عملاً آخر هو تدريب السيدات على قيادة السيارات في أحد مراكز التدريب الخاصة في عمان، ''فأنا أحب القيادة بكل أشكالها''.
وتنتهز حنان عطلتها الرسمية يوم الجمعة لترتاح قليلاً وتمارس طقوس أمومتها تجاه أطفالها الأربعة ''الأشقياء'' وتعدّ أطباقاً شعبية تحتاج إلى وقت، مثل المنسف وورق العنب المحشو، أو تقيم لهم حفل شواء رغم الضائقة المادية، فالأهم ''سعادة أطفالي''.
وهي تستمتع كثيراً عندما تسترق السمع إلى أطفالها وهم يفاخرون بعملها أمام أقرانهم. تقول: ''كنت أعتقد أنهم يخجلون من مهنتي، لكنني فوجئت بهم يختالون بين الجيران ويقولون لهم: صحيح أن أمنا تلملم النفايات، إلا أن هدفها عظيم بأن تبقى عمّان نظيفة''. وتشير الى أن التقارير الإخبارية عنها التي بثتها عدة محطات تلفزيونية محلية وعربية، بالإضافة إلى ما نشر عنها في الصحف والمجلات، عززت لدى زوجها وأطفالها ثقتهم بها وبأنفسهم.
وتعيل حنان والدتها المريضة التي تعيش معها. وهي تلقى الدعم المتواصل من زوجها، الموظف الحكومي الذي يتقاضى أجراً متواضعاً. وترى أن عملها يعد إنجازاً، لأنها أول امرأة في الأردن نجحت في اقتحام هذه المهنة. وتؤكد أن طبيعة عملها حققت لها جزءاً من طموحها في ارتياد ما هو صعب ويكتنفه التحدي، خصوصاً أنها حصلت على رخصة لقيادة الشاحنات، ما أضاف لها تميزاً آخر.
وعن دور المجتمع في دعمها أو تثبيط معنوياتها، أشارت إلى أن ''المجتمـع لا يثـق بقدرة المرأة، ويحاول أن يحد من طموحها ونجاحها''. وهي تأمل أن تساهم في زرع ثقافة النظافة ومفاهيم الحفاظ على البيئة بين طلاب المدارس ومختلف شرائح المجتمع.
|