Sunday 08 Dec 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
 
علي العنزي (الرياض) قطعـان ضخمـة تمحو خضرة البادية   
شباط (فبراير) 2008 / عدد 119
 بعد انقضاء الشتاء وانتهاء موسم الأمطار، يبدأ الغطاء النباتي في الانتعاش والاخضرار، ويسعد أهالي البادية بما جادت به الأرض من أعشاب برية تتغذى بها ماشيتهم التي هي مصدر قوتهم. هذا هو الوضع الطبيعي في الحياة البدوية، التي تعتمد على نظام إنتاجي بيئي يقوم على رعاية الماشية والتنقل بحثاً عن الكلأ والماء، مع معرفة دقيقة بالأماكن تناسباً مع الأجواء والمرعى.
لكن الوضع الذي أصبح غير طبيعي هو أن يحل الموسم تلو الآخر من دون أن يعقبه نبات ولا زرع. والسبب في ذلك الأعداد الضخمة من المواشي التي تتسابق نحو المساحات الخضراء في المراعي البرية التي لم تزهر بعد، فتباغتها بقضم أوراقها واقتلاعها من جذورها ودوسها بأظلافها. وما هي إلا أيام معدودة حتى تقضي هذه على الأعشاب الصغيرة، ثم الشجيرات، إلى أن تحول المراعي البرية إلى قاع صفصف.
باختصار، إنه ''الرعي الجائر'' الذي اغتال البيئة وجرّد مساحات شاسعة من النباتات البرية التي اشتهرت بها في ماضي عصورها. وهو تسبب في جعـل عـدد كبير من المناطق البرية في السعودية شبه خالية من بعض النباتات الرعوية التي كانت سائدة فيها، وباتت أخرى مهددة بالانقراض.
مباهاة الأغنياء
في البداية، حذر عدد من المهتمين بحماية المراعي الطبيعية من خطورة الرعي الجائر، باعتباره يقضي على المساحات الخضراء التي بدأت تختفي في كثير من مناطق المملكة. ومن الأسباب الرئيسية تربية البعض لقطعان بأعداد هائلة لا حاجة إليها، يفوق حجمها لدى البعض عشرات الآلاف. هذه المبالغة في تربية المواشي من باب ''المباهاة''، خصوصاً في منطقة الخليج، تتسبب في حرمان أهالي البادية الحقيقيين الاستفادة من المراعي الطبيعية. وقد دفع هذا الوضع نسبة كبيرة منهم إلى التخلي عن مواشيهم واللجوء للعيش في الحاضرة، بعدما تسلطت القطعان الكبيرة على المساحات الخضراء في ربوع البلاد.
ففي منطقة الصمان مثلاً، التي تبعد 360 كيلومتراً شمال شرق الرياض وتعد من المراعي السعودية المشهورة على مر التاريخ، نجد تردياً شديداً في وضع البيئة البرية والغطاء النباتي تحديداً، بسبب ما تعانيه من التصحر الناتج عن الرعي الجائر. ويقول سعد الناصر، من أهالي المنطقة، ان المراعي بدأت تنحسر بشكل متسارع في السنوات الأخيرة، ''وأصبحنا نرى نزول الأمطار وارتواء الأرض، لكن من دون أن يتبعها ظهور أعشاب''.
ودعا الناصر إلى إيجاد حلول عملية للسيطرة على القطعان الضخمة التي يربيها بعض الأغنياء ويتركونها تهيم في المراعي البرية من باب المباهاة، ''فهم لا يستفيدون منها سوى الاستمتاع بمنظرها والتفاخر باقتنائها''.
وأكد الناصر، الذي قضى جل حياته في البادية، أن أنواعاً كثيرة من النباتات البرية بدأت تختفي، بينها العرفج والروثا والأرطى والغضا. وأصبح أهل البادية يبشرون بعضهم بعضاً في المجالس اذا رأوا شيئاً منها، بل هم يلتقطون لها الصور للذكرى. وأضاف ضاحكاً: ''ربما تكون هذه الصور للتوثيق بعدما أصبحت بعض النباتات في حكم المنقرضة''.
ولفت إلى أنه لاحظ تغيراً واضحاً في الغطاء النباتي، وظهور نباتات جديدة وصفها بأنها قليلة الاستساغة للمواشي مثل ''الشنان''، إضافة إلى انجراف التربة وتشكيل كثبان رملية في بعض المناطق التي كانت في الماضي مواقع رعوية.
قطعان مستوردة تسرح في الصحراء
الحميدي الحربي (55 عاماً) أحد مربي المواشي في منطقة الصمان. وعلى رغم بساطة تعليمه، فهو يعي تماماً أن الاهتمام بالنباتات البرية مطلب ضروري، لكونها تشكل المصدر الأساسي للعلف. قال: ''الأمر يحتاج إلى دراسات ميدانية من قبل الجهات المعنية لمعرفة حجم مشكلة التصحر، والخروج بحلول لها تراعي حاجة أبناء البادية الذين يشكل الرعي مصدر دخلهم الوحيد''.
ويعتقد الحربي أن للكميات الهائلة من المواشي التي تستوردها المملكة سنوياً من الخارج ولا توجد مراع تستوعبها دوراً في تناقص المراعي: ''إن الكم المخيف من القطعان المنتشرة في الأراضي جاء بناء على تصاريح استيراد إما بهدف التجارة وإما للتربية والتسمين''. ويشير إلى أنه مع اقتراب مواسم الأعياد وخصوصاً عيد الأضحى تتجه أعداد كبيرة من الشاحنات نحو الشعاب والوديان لتفريغ حمولتها الضخمة من الأغنام المستوردة من سورية والأردن وتركيا، ومن ثم تسريحها في الصحراء لعدة أيام الى حين حلول موعد بيعها في الأسواق. ويبقى بعضها يرعى في الصحراء لسنوات.
أما ناصر السبيعي (52 عاماً) فيؤكد أن الرعي الجائر تسببه الأغنام والماعز فقط، في حين أن رعي الإبل لا يؤثر في المراعي قطعاً: ''حين ننتقل من منطقة إلى أخرى طالبين المرعى أينما كان، تبتعد الإبل عن مكانها الأصلي مسافات بعيدة قد تزيد على مئات الكيلومترات، تقوم خلالها بأكل قضيمات من الأجزاء العلوية للنباتات التي ترعاها، وتترك أجزاء من الفروع والأوراق لتنمو ثانية''. أما الأغنام والماعز فتأكل كميات كبيرة من النباتات الرعوية، خصوصاً الأعشاب الحديثة النمو والتي يصعب إعادة نموها. وهي تحرث الأرض بأظلافها المدببة أثناء الرعي، ما يؤدي إلى اقتلاع النباتات من التربة أو تهتكها نتيجة الدوس عليها.
مقترحات للحد من المشكلة
قدم عدد من المهتمين بحماية البيئة البرية عدداً من المقترحات التي يرون أنها ستحد من مشكلة الرعي الجائر. من أهمها إيجاد جهة محددة مسؤولة عن حماية المراعي وتنظيم استغلالها، على أن تعطى ميزانية كافية وصلاحيات خاصة تمكنها من تأدية مهمتها. ودعوا وزارة الزراعة، باعتبارها الجهة المعنية، الى تشجيع أصحاب القطعــان الكبيرة على تربيـة أغنـامهـم في مــزارع خاصـة بـ ''مشاريع التسمين''، وتنظيم الرعي وتحديد أوقاته وأماكنه، وإنشاء مستودعات لتخزين الأعلاف الاحتياطية في أماكن التجمع الرئيسي للأغنام في البادية لتغطية الاحتياجات في سنوات الجفاف، وزراعة الشجيرات الرعوية لتأمين مصدر علفي احتياطي كما هو مطبق في كثير من البلدان العربية.
ومن المقترحات أيضاً توعية مربي الأغنام وحثهم على عدم تربية أعداد كبيرة وتركها تهيم في المراعي البرية من دون الاستفادة منها، وكذلك دعوة أهل البادية إلى تربية أعداد معقولة مع تحسين نوعيتها.
ويتفق المتابعون على أن ضعف إمكانات السيطرة على الأعداد الهائلة من الماشية المستوردة وتربيتها في البراري المحلية أديا إلى القضاء على عدد من النباتات البرية اشتهرت بها السعودية. وهذا ينذر بتبعات سلبية على التوازن البيئي مستقبلاً، في غياب نظام واضح للرعي في البلاد كرّس لدى البعض من أهل البادية روح الاعتداء على المراعي.
وتزداد المطالبات بحماية المراعي الطبيعية من خلال إيجاد تشريعات تنظم الرعي الذي وصف بـ ''المبيد'' وليس الجائر، وكذلك التقليل من استيراد الأغنام وتشجيع تربية الأغنام المحلية التي تتناسب والبيئة الرعوية، خاصة أن أرض المراعي السعودية تحتاج إلى وقت طويل كي تعود إلى طبيعتها السابقة.
ويرى خبراء أن طريقة رعي الأغنام المستوردة من نوع ''النعيمي'' لا تتلاءم ومراعي المملكة، حيث لا توجد إلا شجيرات وأعشاب موسمية. وهذا النوع من الأغنام يبدأ بأكل الأعشاب من منبتها بعد أسبوع واحد على خروجها من الأرض، مما لا يعطيها أي فرصة لتكبر وتنتج البذور.
ويقول يوسف العتيبي الناشط في مجال الحفاظ على البيئة البرية: ''كم هي جميلة أرض الصحراء بعدما يحل موسم المطر وتنبت الأرض زرعاً وتكسوها خضرة عذراء. لكن كم هي قبيحة في زمن ينزل المطر في موسمه ولا ينبت شيء، اذ ليس في الأرض بذور للنباتات البرية. وهذا يؤدي الى تدهور الغطاء النباتي وتعرية التربة وانجرافها''.
ويضيف بحسرة: ''ما نعيشه في هذه الحقبة لم تعتد عليه المراعي منذ أوجدها الله. إن أعداد الماشية وثقافة الرعي الحالية منافية لما توارثه أهالي البادية''. وينبه الى أن ''التصحر ليس من قلة الماء فقط، بل من انعدام البذور أيضاً، ما يجعل الأرض عاجزة عن الإنبات حتى لو تم سقيها بالآبار وليس بالأمطار''.
ويقترح العتيبي أن تطبق وزارة الزراعة في السعودية ما قامت به بعض الدول المجاورة، بإقامة مشروع لإكثار البذور بالتعاون مع المراكز البحثية الزراعية، وزراعة أجزاء من الأراضي بالشتول الرعوية، وحماية هذه المراعي لمدة معينة حتى تنمو الشتول، على أن تكون فيها آبار لتخزين مياه الأمطار من أجل سقي الأغنام خلال موسم الرعي.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.