Friday 19 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
 
أنجيلا أغواويك احتجاز الكربون وتخزينه في الصحراء الجزائرية  
أيار (مايو) 2009 / عدد 134
 مشروع غاز عين صالح في الجزائر مشترك بين شركة النفط الجزائرية العامة (سوناطراك) وشركتي بريتش بتروليوم وستاتويل. وهو يشمل التطوير المرحلي لسبعة حقول غاز في المنطقة الصحراوية الوسطى من البلاد. وفضلاً عن إتاحة الغاز للاستهلاك المحلي والأوروبي، يشغِّل المشروع واحداً من أكبر برامج احتجاز الكربون وتخزينه في العالم. وهذه تكنولوجيا رائدة لاثبات جدوى التخزين الجيولوجي للانبعاثات الكربونية على نطاق صناعي، كخيار لتخفيض تراكم غازات الدفيئة في جو الأرض. وقد زارت أنجيلا أغواويك، من مجلة أوبك، أحد حقول الغاز التابعة للمشروع، وكتبت هذا التحقيق.
 
أنجيلا أغواويك
الرحلة بالطائرة الى عين صالح في جنوب الجزائر تجمع بين المتعة والرهبة. فغرابة هذه المنطقة النائية تغري بالقدوم اليها لاستكشاف وحشة الكثبان الرملية العملاقة المنتشرة على امتداد الأفق. القادم للمرة الأولى الى حقول الغاز هناك، عميقاً داخل الصحراء الأفريقية، يتوجس خيفة مع اقتراب الطائرة الصغيرة من مدرج الهبوط في كريشبا، حيث أحد حقول الغاز في عين صالح.
عندما نزلنا من الطائرة، ازدادت مشاعر الرهبة التي خالجتنا ونحن في الجو. فحقول الغاز اتسمت بالضخامة، خصوصاً منشآت التخزين الجيولوجي لثاني أوكسيد الكربون، الذي يعتبر إحدى الوسائل الواعدة للبلدان المنتجة للنفط كي تعالج احتياطاتها البترولية بطريقة أفضل بيئياً.
يضم مشروع غاز عين صالح شركة النفط الجزائرية العامة ''سوناطراك'' التي تملك حصة 35 في المئة، وبريتش بتروليوم (33 في المئة)، وستاتويل النروجية (32 في المئة). وقد تم إطلاقه في كانون الأول (ديسمبر) 1995 عندما اتفقت بريتش بتروليوم وسوناطراك على الدخول في مشروع مشترك للتنقيب عن الغاز وتقييم احتياطاته وتطويره وتسويقه. وانضمت إليهما ستاتويل عام 2003.
وهذا أكبر مشروع مشترك للغاز الجاف في الجزائر. وهو يشمل تطوير سبعة حقول غاز مؤكدة في الصحراء الأفريقية، على بعد نحو 1200 كيلومتر جنوباً من الجزائر العاصمة. وقد بدأ الانتاج في تموز (يوليو) 2004، ويبلغ نحو 9 بلايين متر مكعب من الغاز سنوياً. وفيه أيضاً أول وأكبر مشروع في العالم لاحتجاز الكربون وتخزينه على نطاق كامل في حقل للغاز، وهو أحد مشروعين قائمين في العالم لفصل ثاني أوكسيد الكربون على نطاق كبير. والمشروع الآخر هو في حقل سليبنر للغاز، قبالة شاطئ النروج، وقيد التشغيل منذ العام 1996. أما المشاريع الأخرى فمعظمها لتعزيز استخلاص النفط.
 
الوصول الى كريشبا
السفر جواً الى منطقة عين صالح في قلب الصحراء الأفريقية، على بعد نحو 150 كيلومتراً من أقرب تجمع سكني، هو أسهل من السفر براً. فمع اقتراب الطائرة التي نقلت فريقاً من الصحافيين والمراسلين المحليين والدوليين وموظفين كباراً من أمانة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ومسؤولين في وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية وشركة سوناطراك، في رحلة منظمة دامت ساعتين، لا يسع المرء إلا أن يعجب برحابة تلك الأرض وما فيها من واحات تمتد الى المدى البعيد. يبدو أن اختيار عين صالح موقعاً لهذا المشروع الرائد والطموح تكنولوجياً لاحتجاز الكربون وتخزينه كان اختياراً مناسباً.
ويرتكز مفهوم المشروع على تطوير حقول الغاز الرئيسية السبعة، وهي: غور محمود، عين صالح، حاسي مومني، غارة البفينات، كريشبا، ريغ، تيغ. وقد تم حتى الآن تطوير ثلاثة حقول فقط باتت قيد الانتاج، وهي كريشبا وريغ وتيغ. أما الأربعة الأخرى فتقرر تطويرها في المستقبل.
عندما بدأت الطائرة بالهبوط، انطلقت الفرقعات المألوفة لكاميرات المصورين والمراسلين من رويترز وبلومبرغ ووحدة أوبك السمعية البصرية وآخرين، وهم يحاولون على عجل التقاط صور جوية للصحراء وحقل كريشبا، الذي يخلو من أي معالم مميزة باستثناء المنشآت التي تضم مجموعة براميل من الفولاذ الذي لا يصدأ وشبكة أنابيب متداخلة.
نزلنا من الطائرة، وركبنا حافلة مكيفة الهواء أقلتنا مسافة 800 متر الى مكاتب مشروع غاز عين صالح. هناك كان في انتظارنا مدير حقل كريشبا بول أندروز، وهو أميركي لديه خبرة تزيد على 25 عاماً في الصناعة البترولية. وفي قاعة الاجتماعات شرح لنا هو ونائب رئيس المشروع محمد كيدام العمليات الجارية هناك، بحضور موظفين كبار بمن فيهم رئيس المشروع مايكل موسمان من بريتش بتروليوم.
أهمية صناعة الطاقة في الجزائر ليست في تصدير الغاز، على رغم أنها تصنف ثالث أكبر مصدر للغاز في العالم، وإنما في تفوق ابتكارات مشروع غاز عين صالح الذي يضم مرفقاً رئيسياً لنقل ثاني أوكسيد الكربون المستخرج من الغاز المنتج وإعادة حقنه في تكوين جوفي. ويرى كيدام أن هذه العملية المستمرة لا تشكل أي خطر على البيئة أو الحياة البشرية.
 
كيف يتم احتجاز الكربون وتخزينه
عند انتاج الغاز الطبيعي، يُنزع منه ثاني أوكسيد الكربون (معدل المحتوى الكربوني بين 7 و10 في المئة) باستعمال سائل الأمين (amine) ذي القدرة التمييزية لاجتذاب ثاني أوكسيد الكربون عن طريق امتصاصه. بعد ذلك يُستخلص الغاز من الأمين بالغليان، ويتم تحويله الى نظام اعادة الحقن، حيث يستعمل ضاغطان متوازيان لضغطه بقوة امتصاص تتراوح بين 0,15 و0,30 بار وقوة تفريغ تتراوح بين 150 و200 بار. ثم يتم ضخ الغاز عبر أنابيب الى ثلاث آبار مخصصة لحقنه، متباعدة حول حقل كريشبا.
للغاز الطبيعي الذي يرسل الى أوروبا مواصفة تحدد نسبة ثاني أوكسيد الكربون بنحو 2 في المئة. أما مواصفة مشروع غاز عين صالح فهي 0,3 في المئة، ما يساعد في الحفاظ على مستوى يقل عن حدّ الاثنين في المئة عندما يمزج بغاز طبيعي آخر منتج في الجزائر.
لا يوجد قانون أو حافز مالي يدعو مشروع غاز عين صالح الى اعادة حقن ثاني أوكسيد الكربون بدلاً من إطلاقه في الغلاف الجوي. ويصر كيدام على أن هذا الواقع لم يكن عاملاً حاسماً في هيكلة مشروع احتجاز الكربون. وفي ردّ على سؤال عما إذا كانت بداية المشروع من منطلق اقتصادي أو بيئي، أجاب من دون تردد: ''هو مشروع بيئي صرف''. وأضاف أن ثاني أوكسيد الكربون الزائد في الغاز كان يمكن إطلاقه في الغلاف الجوي، كما يحدث في بلدان أخرى. ولكن نتيجة قرار الجزائر أن تكون لها مساهمتها الخاصة في الجهد العالمي لخفض الانبعاثات، شرعت في إعداد مشروع لاحتجاز ثاني أوكسيد الكربون الصادر عن عملياتها في مكامن الغاز المستنفدة. وهي تؤدي هذا العمل على نفقتها الخاصة من دون عائدات مالية.
استطاع المشروع حتى الآن إعادة حقن نحو 0,7 بليون متر مكعب سنوياً، من أصل العشرين مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون المقرر إعادة حقنها طوال مدته المقررة 15 عاماً، في تشكيلات جيولوجية جوفية. وقد ساهم أيضاً بخفض أثر غازات الدفيئة بنسبة 60 في المئة. ومن الناحية العملية، تعادل هذه الكمية انبعاثات 200 ألف سيارة تقطع مسافة 30 ألف كيلومتر سنوياً، وما يمتصه 200 كيلومتر مربع من الغابات. وهذا كلف البلاد حتى الآن 100 مليون دولار. ولم يحصل المشروع بعد على أي اعتمادات بموجب بروتوكول كيوتو.
موقع المشروع لم يكن نتيجة قرار ارتجالي. فقد أدرك الخبراء أن عليهم استعمال مكامن تتوافر فيها شروط السلامة، محكمة الاغلاق، ولها قدرة استيعابية جيدة وملائمة، وتمتاز بمسامية جيدة وضغط معتدل، فضلاً عن توافر بيانات زلزالية. وأُخذت في الاعتبار أيضاً أفضلية أن يكون التخزين في موقع واحد أو مواقع متعددة. وعندما اتخذ قرار في النهاية باعتماد موقع واحد، استوفى حقل غاز كريشباجميع الشروط المذكورة، وتم اعتباره مرفقاً فريداً لاستخراج ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه.
 
جزيرة صحراوية
بعد اللقاء التمهيدي، قادنا مدير حقل الغاز للتجوال في أنحاء المعمل. فشرح لنا طريقة المعالجة الأمينية، وكيف يمر الغاز الطبيعي بعدها عبر وحدة معالجة لازالة بخار الماء. ويستخدم في هذه العملية سائل مختلف هو الغليكول الثلاثي الاثيلين، الذي له القدرة على امتصاص الماء من الغاز. بعدئذ، يتم شحن الغاز الطبيعي الجاف المنقّى شمالاً لتصديره.
لاحظنا عدم وجود كابلات لتزويد المعمل الصحراوي بالكهرباء، فكيف تؤمن كريشبا احتياجاتها الطاقوية؟ يمكن وصف حقل الغاز بأنه جزيرة صـحراوية مستقلة، فهو يولد الكهرباء الخاصة به بواسطة محطة طاقة في الجوار، كما يؤمن إمداداته المائية، ويدير النفايات الصناعية من ''المهد الى اللحد''. ويعمل المرفق بشكل مستمر، ويقفل لمدة أسبوعين كل ثلاث سنوات لاجراء الصيانة الإلزامية لضمان سلامته من الناحية الميكانيكية. فالسلامة موضع اهتمام كبير، خصوصاً في موقع العمل حيث يمنع التدخين واستعمال الهواتف الجوالة إلا في نقاط معينة.
مشروع غاز عين صالح لا يساهم فقط في خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، بل أيضاً في تشغيل فنّيين ذوي مهارة عالية من أنحاء العالم. ومن أصل 2000 موظف يعملون في المشروع، هناك نحو 800 موظف يقومون بتشغيل معمل الغاز وصيانته وخدمته يومياً. وهم يعملون في مناوبات، ولكل وظيفة إدارية يتولاها أجنبي هناك جزائري يعمل في مناوبتها.
الموقع النائي للمشروع لا يسمح للموظفين باصطحاب عائلاتهم، لذا أُمّنت لهم مرافق للترفيه والراحة. فقد أقيمت لهم منطقة سكنية خضراء في قلب الصحراء، مزودة بتسهيلات عصرية مثل أجهزة التلفزيون التي تعمل بواسطة الأقمار الاصطناعية، والمطاعم والمطابخ، وصالات الألعاب الرياضية المتنوعة. ويعتمد نظام للعمل أربعة أسابيع تليها عطلة لأربعة أسابيع، كما هي الحال على منصات النفط البحرية. وهذا يتيح للموظفين المرونة الضرورية في بيئة قاسية ومتطلبة.
لاحظنا غياباً للنساء في كريشبا. فمع دخول المرأة معترك العمل في قطاع البترول والطاقة في السنوات الأخيرة، أراد مراسل فضولي أن يعرف لماذا استبعد العنصر النسائي في حقل الغاز. فهل سبب ذلك بُعد المكان وعزلته؟ لا، قال أندروز، فهناك الكثير من الموظفات الماهرات في المشروع، ولكن لم يسمح لجميع الموظفين بحضور اللقاء التعريفي للوفد الصحافي. وبعدئذ التقينا الأميركية إيزابيل ليندروس التي أمضت 25 عاماً في صناعة النفط، منها 15 عاماً مع بريتش بتروليوم. وهي قدمت الى كريشبا للعمل منذ نحو سنتين كمسؤولة فنية مناوبة عن المعدات، بعدما عملت في حقول نفطية آسيوية. ولدى سؤالها عن الحياة في كريشبا، أفادت أنها لا ترى اختلافاً عن الحياة في أي حقل نفطي آخر: ''عندما تقوم بعمل ما مرة أو مرتين، تعتاد عليه أنت والناس من حولك''. وأثنت على نظام المناوبة، ما يجعل بيئة العمل أسهل وأقل إجهاداً، فذلك يمكّنها من السفر الى الولايات المتحدة وقضاء وقت مع عائلتها كل أربعة أسابيع.
كنا زواراً، لذا لم يكن علينا الانتظار أربعة أسابيع لنغادر كريشبا. وبعد وجبة شهية ضمت أربعة ألوان من الطعام، وساعتين من الاستماع وتوجيه الأسئلة، ودعنا مجموعة رائعة من العاملين والعاملات النشيطين. لقد كان الطيران الى كريشبا هادئاً، غير أن الرحيل عنها لم يكن مريحاً. فالعوامل الجوية لم تكن مؤاتية، إذ ضربت الأمطار والرياح الصحراوية الطائرة بعنف. ولكن بفضل الخبرة الاحترافية للطيار تمكنا من الهبوط بسلام في مطار السانية الدولي في وهران.
المعرفة التي اكتسبناها في ما يتعلق بعملية استخراج ثاني أوكسيد الكربون من الغاز الطبيعي وتخزينه قد تكون جديدة، لكن المشروع نموذج عالمي لاحتجاز الانبعاثات الكربونية كحل قابل للاستمرار من الناحية الجيولوجية. كما أن العملية مقبولة اقتصادياً، والغاز الذي تعالجه يتطور في نمط يمكن التكهن به ومحاكاته. وثمة مشاريع في بلدان نفطية أخرى لاستنساخ هذه المبادرة.
هناك إجماع على أن النفط والغاز الطبيعي سيستمران في تزويد العالم بالطاقـة لعقود مقبلة. وأحد المخاوف الكبرى تأثير ذلك على البيئة. وفي هذا الصدد، تقدم عملية احتجاز الكربون وتخزينه حلاً بتوفير كميات كبيرة من الطاقة الأكثر رفقاً بالبيئة.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.