Saturday 20 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
خالد يعقوب عويس (دمشق) نقص المياه يهجِّر المزارعين السوريين  
أيلول (سبتمبر) 2009 / عدد 138
 قبل بضعة عقود فقط كانت الأسماك وفيرة في نهر العاصي، الذي أمَّن المياه على مدى آلاف السنين للسهول السورية الخصبة الواقعة عند مفترق طرق العالم القديم. ولكن هذه الأيام لم تعد النواعير الضخمة على هذا النهر، التي يرجع تاريخها الى القرن الثاني عشر، قادرة على نشل المياه بسبب ضعف التدفق. وغطت الطحالب سطح النهر وضيقت الصحراء الخناق عليه. وقال المزارع محمد الحمدو البالغ من العمر 80 عاماً: ''النهر أصبح ملوثاً جداً. نوعية منتجـاتنا تضـررت، ولم أعد أكسب ما يكفي لاطعام أسرتي''. لقد أدى أسوأ جفاف تشهده سورية منذ عقود الى تهجير مئات الألوف من السكان، وأثار مطالبات بسياسة منسَّقة للمياه في الشرق الأوسط، في وقتتواجه المنطقة مناخاً أكثر جفافاً واستنفاداً لمصادر المياه بسبب بناء السدود وحفر الآبار. غير أن الشكوك تحيط بامكان التوصل الى سياسة منسقة للمياه في منطقة تسودها التوترات والعداءات، وتأتي فيها سياسات المياه لمصلحة طرف على حساب الطرف الآخر.
 
بشقّ النفس نشترى الخبز
نهر الفرات، الذي يمتد من تركيا عبر سورية الى العراق، ملوث وترتفع فيه نسبة الملوحة. وأدت السدود التي أقامتها تركيا على النهر وازدياد الطلب على المياه مع نمو أعداد السكان الى خفض منسوب مياهه بدرجة كبيرة.
محمد عقلة واحد من بين 200 ـ 250 ألف مزارع سوري اضطروا مع أسرهم على مدى ثلاث سنوات للتخلي عن أراضيهم بسبب الجفاف، بحسب تقديرات دراسة حديثة للأمم المتحدة. قال: ''خسرت ثلثي ماشيتي بعد جفاف الآبار''. وهو ترك محافظة الحسكة الشرقية المنكوبة قبل خمسة أشهر، ويقيم الآن في خيمة مع زوجتيه و15 طفلاً بالقرب من مقلب للقمامة في دمشق. لقد تحول أفراد الأسرة فعلياً من مزارعي قمح ومربي أبقار الى لاجئين. الذباب يغطي وجوه أطفاله الحفاة الذين يلعبون بالخردة والقمامة. وقال عقلة: ''بشق النفس نشتري الخبز والشاي لنأكل. لم يرنا مسؤول حكومي واحد، ولا نتلقى أي مساعدة''. وثمة مزارعون من مناطق لا تبعد الا 30 كيلومتراً عن دمشق تركوا أراضيهم لينتقلوا الى خيام أو مناطق عشوائية.
وسورية منتج رئيسي للسلع الزراعية في المنطقة، وتساهم مبيعات القمح وزيت الزيتون والماشية والفاكهة والخضر بنحو 20 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي البالغ 45 بليون دولار. ويعيش نحو نصف السكان البالغ عددهم 20 مليون نسمة على الزراعة. لكن الأنهار، ونحو 420 ألف بئر حفر نصفها تقريباً بشكل غير قانوني خلال العقود القليلة الماضية، بدأت تجف منذ فترة. وسبّب الجفاف وسوء ادارة موارد المياه ضربة قاصمة للزراعة، خصوصاً في محافظة الحسكة الواقعة على الحدود مع العراق. ومن المتوقع أن ينخفض انتاج الحسكة من القمح الى 892 ألف طن هذه السنة، مقارنة مع 1,9 مليون طن كان مخططاً لها.
ارتفعت حالات سوء التغذية في المحافظة بنسبة 370 في المئة منذ عام 2006، وبنسبة 229 في المئة في محافظة دير الزور المجاورة المطلة على نهر الفرات، بحسب دراسة الأمم المتحدة. وأظهرت الدراسة أن الجفاف يغطي الآن أكثر من 60 في المئة من مساحة الأراضي السورية، وتضرر منه نحو 1,3 مليون شخص حتى الآن، وتستقبل المناطق المحيطة بدمشق وحلب وحماة النسبة الأكبر من المهجرين. واعتبر الاقتصادي عارف دليلة ان السياسة الزراعية الموجهة بشكل خاطئ، والتي تشمل دعم انتاج القمح، ساهمت على مدى العقدين الماضيين في إحداث الأزمة الراهنة. وقال دليلة، الذي سجن سبع سنوات لانتقاده السياسة الاقتصادية للحكومة، ان الدولة سمحت بزراعة القمح في مناطق شبه جافة كانت مخصصة للرعي، وشجعت على حفر الآبار بشكل غير قانوني مما أضر بمناسيب المياه الجوفية. وأضاف: ''سعت سورية لتكون دولة مصدرة للقمح، وهذا نادر في العالم الثالث. لقد أدت السياسة الزراعية المكلفة الى استنزاف الآبار الجوفية وتدمير الأحواض المائية. نحن الآن نستورد القمح والاعلاف بعد أن اقتطعت المراعي الطبيعية ونضبت المياه".
والمسألة ذات حساسية سياسية. فالحكومة تعتبر ادارتها للسياسة الزراعية انتصاراً استراتيجياً. لكن هذه السياسة تعرضت لانتقادات نادرة من نوعها، بعد أن جاء محصول 2008 أقل من المتوقع مما دفع الدولة لاستيراد القمح للمرة الأولى منذ تسعينات القرن الماضي. وقالت ريم عبد ربه، مديرة سلامة المياه في مديرية شؤون البيئة: ''ان تحقيق الأمن الغذائي الذي يشكل أحد مرتكزات السياسة السورية عملياً يكون على حساب الأمن المائي، مما يهدد استدامة التنمية الزراعية على المدى البعيد''. وأضافت: ''يستدعي الوضع اعادة النظر في أولويات التنمية والاقتصاد السوري وإحداث تغييرات جذرية في السياسة الزراعية".
وأبلغ وزير المال السوري محمد الحسين البرلمان في حزيران (يونيو) الماضي أن الحكومة تعمل على تأسيس صندوق للحماية من الكوارث الزراعية، لكنه لم يذكر أي شيء عن التخلي عن سياسة الدعم المكلفة التي يقول الخبراء انها السبب في الأزمة الراهنة. وتستهلك الزراعة نحو 90 في المئة من المياه المتاحة، ويأتي 60 في المئة من الامدادات من الآبار الجوفية التي انخفضت مستويات المياه فيها بحدة، مما رفع كلفة الانتاج الزراعي وأثار قلق مالكي الأراضي.
لا يمكن الاستمرار هكذا
حتى المناطق الغزيرة الانتاج تضررت. وفي منطقة عفرين في شمال غرب البلاد تملأ أشجار الزيتون والتفاح والرمان الأراضي الجبلية على الحدود مع تركيا، لكن الانتاجية انخفضت. وقال المزارع حسن سيوا: ''زيت الزيتون الذي نصدره الى أوروبا يزداد حموضة كل عام. الأنهار ضعفت، ويتم إلقاء المزيد من مياه الصرف فيها. الحكومة تبدو بلا حول ولا قوة".
ويحدث الأمر نفسه في أجزاء أخرى من سورية. كان تدفق نهر العاصي قوياً في الماضي، حتى أنه ساعد في حماية قلعة شيزر، التي أقامتها وحدة تابعة لجيوش الاسكندر الكبير، من هجمات الصليبيين. وجف نهر الخابور، أحد فروع الفرات الذي كان يروي مزارع الحسكة. أما نهر بردى في دمشق، الذي مجَّده الأدب العربي، فقد تحول الى مجرى هزيل كريه الرائحة.
وساءت الأحوال، حتى أن الحكومة طلبت في الفترة الأخيرة مساعدات دولية، وقدمت اعانات نقدية لأسر المزارعين في محاولة لوقف الهجرة الداخلية. وتعمل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) مع الحكومة على وضع خطة زراعية جديدة، تشمل مراجعة التكوين المحصولي على مستوى البلاد وخطوات لمعالجة مياه الصرف ووقف زيادة نسبة الملوحة وتحسين ادارة موارد المياه.
وقال عبدالله طاهر بن يحيى ممثل الفاو في سورية: ''لا توجد وصفة جاهزة. من الطبيعي أن سورية لا يمكنها الاستمرار بالسياسة الزراعية نفسها التي كانت منذ عقود. الجفاف خارج عن ارادة الدولة. هناك مساحات شاسعة من الحسكة لم تحصد فيها حبة شعير، وهذا مؤلم".
 
كادر
الهلال الخصيب ينتهي هذا القرن!
 
فريد بيرس
هل تسدل الستارة على الهلال الخصيب؟ في هذا الصيف، بعدما حولت السدود التركية نهري دجلة والفرات الى مجريين هزيلين، هجر المزارعون العراقيون والسوريون حقولهم التي جفت، وبدا أن الجهود التي بذلت لاحياء الأهوار باءت بالفشل، وحذر واضعو النماذج الكومبيوترية من أن الجفاف الحالي قد يصبح دائماً.
هل تبتلع الصحراء مهد الحضارة في بلاد ما بين النهرين؟ في تموز (يوليو) الماضي، دعا وزراء عراقيون الى محادثات عاجلة مع جارتَيْ أعالي النهرين تركيا وسورية، بعدما أدت سنة ثانية من الجفاف فضلاً عن السدود المقامة في هذين البلدين الى خفض تدفق نهر الفرات عند دخوله العراق الى أقل من 250 متراً مكعباً في الثانية. وهذا يقل عن ربع التدفق المطلوب للحفاظ على الزراعة العراقية.
وقد تنامت التوترات منذ أيار (مايو) الماضي، عندما رفض البرلمان العراقي الموافقة على اتفاق تجاري جديد ملحّ مع تركيا ما لم يتضمن نصوصاً ملزمة بشأن تدفقات النهرين. لكن يبدو أن تركيا ليست في مزاج الدخول في تسوية، بل انها أعلنت في تموز (يوليو) عن الانطلاقة النهائية لبناء سد كبير آخر هو سد إليسو على نهر دجلة.
 في هذه الأثناء، يرى حسان بارتو من برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن البؤس المائي في العراق تضاعفه إيران التي تبني أيضاً سدوداً جديدة على روافد دجلة. وهو أبلغ مجلة New Scientist أن ''بعض هذه الأنهار جف تماماً''. وأضاف أن العراق بذاته يفاقم المشكلة من خلال بناء السدود الخاصة به. ومن المقرر أن تبدأ أعمال الانشاء هذه السنة على رافد آخر لدجلة عند فلج بخمي (ممر ضيق بين الجبال) في اقليم كردستان شمال العراق، حيث سيبنى أحد أعلى سدود العالم اذ سيبلغ ارتفاعه 230 متراً.
 
الفردوس المفقود
في العصور القديمة، كان واديا نهري دجلة والفرات سخيين عبر العراق، يرويان الحقول التي ساهمت في ازدهار حضارات مثل الحضارة السومرية ومدن مثل بابل. لكن الجفاف والسدود ورغبة العراق في احياء زراعته تلقي مجتمعة ضغطاً هائلاً على آخر ما تبقى من الأهوار، تلك المجمعات المائية حيث يلتقي دجلة والفرات ويتجهان الى البحر.
لقد قام نظام صدام حسين بتجفيف الأهوار عمداً. ولكن بعد العام 2003 بذلت جهود دولية لإحيائها. وأبلغ برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن تقدم حتى العام 2006، حين تولت وزارة المياه العراقية أعمال المراقبة. ومع تنامي المخاوف من أن الحكومة العراقية عادت الى تحويل المياه الشحيحة عن الأهوار لتلبية الزراعة، توقف تقديم التقارير بشكل مفاجئ.
وساعد الجفاف في تأزيم الوضع. ويتوقع تقييم مفصَّل لمستقبل الهلال الخصيب في ظل تغير المناخ أن يهبط تدفق نهر الفرات بنسبة 73 في المئة. وحذر أكيو كيتوه، من معهد أبحاث الأرصاد الجوية في تسوكوبا باليابان الذي أعد التقرير، من أن ''الهلال الخصيب القديم سوف يزول خلال هذا القرن، وقد بدأت عملية الزوال فعلاً".
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.