Thursday 18 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
 
عبدالهادي نجّار الطاقة الاندماجية: سباق عالمي لصنع شمس على الأرض  
آب / أغسطس 2020 / عدد 269
تواجه الطاقة النووية ظروفاً عصيبةً في الوقت الراهن، إذ تستمر السوق العالمية في فرض ضغوط تحول دون إطالة عمر المنشآت. ويؤدي انخفاض أسعار الجملة للطاقة الكهربائية في معظم الاقتصادات المتقدمة إلى انخفاض حاد في هوامش الربح للعديد من التقنيات المستخدمة حالياً، أو حتى القضاء عليها، مما يعرّض المنشآت النووية لخطر الإغلاق المبكر.
 
ومن الملاحظ أن أغلب المفاعلات النووية الجديدة تُبنى حالياً في الدول النامية، التي تستقطب 40 من 54 مفاعلاً قيد الإنشاء. وتمثل محطة "براكة"، التي تضم أربعة مفاعلات في الإمارات، أولى مشاريع الطاقة النووية العربية على المستوى التجاري، حيث صدرت رخصة تشغيل أولى وحداتها خلال شهر فبراير (شباط) الماضي.
 
وكان تقرير صدر في مايو (أيار) 2019 عن الوكالة الدولية للطاقة خلُص إلى أن مستقبل الطاقة النووية "لم يعد مؤكداً"، مع قيام الدول المتقدمة بإغلاق مفاعلاتها القديمة بسبب انخفاض أسعار الغاز وتشديد متطلبات الأمان، مما يقلّل من الجدوى الاقتصادية لتشغيلها. ورأت الوكالة أن هذا التراجع الحاد في القدرات التنافسية للطاقة النووية سيهدد أهداف المناخ وأمن إمدادات الكهرباء، إذا لم تجد الاقتصادات المتقدمة طريقة لتمديد أعمار مفاعلاتها.
 
ولتحقيق أهداف اتفاقية باريس المناخية، يوصي تقرير صدر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في سبتمبر (أيلول) 2019 بزيادة مجموع الاستثمارات في تركيبات توليد الطاقة المتجددة ليصل إلى 22 تريليون دولار بدلاً من 11.7 تريليون دولار مخططة حالياً حتى سنة 2050. ولكن هل الطاقة المتجددة المتولدة من المحطات الريحية واللاقطات الشمسية تكفي وحدها لتحقيق عالمٍ مكتفٍ بالطاقة وصفري الانبعاثات؟
 
تولّد مصادر الطاقة المنخفضة الانبعاثات حالياً نحو 35 في المائة من مجمل الكهرباء العالمية، حيث تبلغ مساهمة الطاقة النووية نحو 10 في المائة، وتزيد حصة الطاقة الكهرومائية (السدود) عن 15 في المائة، فيما توفر طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمصادر المتجددة الأخرى 10 في المائة. وتشير هذه المعدلات إلى الحاجة لفترة طويلة إلى مزيج متنوّع من المصادر وتعزيز الكفاءة والحد من الهدر، لإرواء العطش إلى الطاقة، من دون استنفاد موارد الأرض والتسبب بأضرار يتعذر إصلاحها.
 
وعلى الرغم من الانخفاض المتواصل في تكاليف تأسيسها وتشغيلها، ودورها في تخفيف الانبعاثات الكربونية، تواجه طاقة الرياح والطاقة الشمسية محدودية بالنسبة إلى اتساع المساحات التي تشغلها، وتتأثر بعوامل لا تخضع للسيطرة، كسطوع الشمس وهبوب الرياح. ومن الحلول الممكنة لمواجهة هذه التحديات بناء محطات عائمة لتوليد الكهرباء من الرياح والشمس، واستخدام سطوح الأبنية وجدرانها ونوافذها كألواح شمسية، وإنتاج الهيدروجين من كهرباء الشمس والرياح كخزان وناقل للطاقة، لاستخدامه حين لا يكون سطوع الشمس وهبوب الرياح كافياً.
 
ومن ناحية أخرى، يشهد العالم تراجعاً في الحصة السوقية للطاقة الكهرومائية، بسبب الكلفة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية الباهظة للسدود، خاصةً على المجتمعات المقيمة في أحواض الأنهار المتأثرة بالسدود، والتي يبلغ تعداد سكانها عالمياً نحو نصف مليار شخص.
 
أمام هذه التحديات، تروّج بعض الأوساط لتقنية "الاندماج النووي" كعنصر أساسي في مزيج طاقة المستقبل النظيفة. فعلى عكس الطاقة النووية الانشطارية التي تستخدم في المفاعلات القائمة حالياً، وما يتصل بها من حوادث التسرب الإشعاعي والنفايات المشعة، يمكن للمفاعلات الاندماجية أن تولّد طاقة لا حدود لها من دون انبعاثات كربونية أو نفايات مشعّة ذات عمر طويل أو حوادث تسرب إشعاعي، لأن التفاعل الاندماجي يتوقف تلقائياً في حال حدوث خلل.
 
والاندماج النووي هو المصدر الأهم للطاقة في الكون، بما فيها تلك الطاقة التي تستمدها الأرض من الشمس. وهو من أكثر مصادر الطاقة كفاءةً، فبضع غرامات من وقود الاندماج يحرر طاقةً تعادل عدة أطنان من الفحم. وتنتج هذه الكميات الهائلة من الطاقة عن شيء صغير للغاية هو نواة الذرة، فعندما تتلاقى نواتا ذرّتين أو أكثر، تندمج هذه النوى تحت ظروف معينة لتشكيل نواة أكبر، مع تحرير كمية هائلة من الطاقة. وعلى مقياس ضخم، تحدث هذه العملية في نواة النجوم، مما يجعلها تشع لمليارات السنين.
 
لقد كان حلم الإنسان منذ خمسينيات القرن الماضي محاكاة الاندماج النووي الذي يحصل على الشمس لتوليد طاقة نظيفة لامتناهية، باستخدام نظائر الهيدروجين التي تندمج لتصبح غاز الهيليوم. ولكن عملية الاندماج صعبة للغاية في إطلاقها والاستمرار بها، وهي تتطلب حرارة وكثافة مرتفعتين. ففي نواة الشمس، على سبيل المثال، تبلغ الحرارة 15 مليون درجة مئوية والكثافة تعادل وضع نصف ليتر من الماء في ملعقة شاي.
 
أفضل الأرقام المسجلة حتى الآن في عمليات الاندماج النووي المخبرية كانت عام 1997، عندما نجح مركز الأبحاث "جيت"، التابع للبرنامج الأوروبي للاندماج النووي، في توليد طاقة بلغت 16 ميغاوات في مقابل طاقة مدخلة تبلغ 24 ميغاوات، واستمر التفاعل لبضعة أجزاء في المئة من الثانية.
 
في ذلك الوقت، بدا مفاعل "جيت" الاندماجي قريباً من تحقيق اختراق علمي. لكن سلوكاً غريباً ظهر في البلازما النووية عمل على تبريد مركزها وعطّل التفاعل. وسيعود مفاعل جيت في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل إلى الدوران من جديد، بعد سنوات طويلة من التحديث وتغيير التصميم والمواد، بهدف تحطيم أرقامه السابقة والحصول على معدّل طاقة صافية أعلى، واستمرار أطول للتفاعل.
 
وكانت اختبارات الاندماج النووي شهدت تطورات متسارعة خلال السنوات الماضية، إذ نجحت الصين عام 2018، عبر مفاعلها التجريبي الصغير "إيست"، في الوصول بدرجة حرارة البلازما النووية إلى 100 مليون درجة مئوية، أي أعلى بست مرات من حرارة نواة الشمس. وتعتزم الصين إطلاق تجربة نووية اندماجية هذه السنة ضمن هدفها لإطالة مدة التفاعل حتى 1000 ثانية.
 
وعلى مستوى الجهد الدولي المشترك، من المتوقع أن يكتمل بناء مفاعل "إيتر" الاندماجي الاختباري، الذي تدعمه 31 دولة من بينها الصين والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، في سنة 2025. وسيبدأ المفاعل أول اندماج نووي اختباري في سنة 2035 بتأخير 15 سنة عما كان مخططاً له. ويطمح العاملون في المشروع إلى توليد طاقة تعادل عشرة أضعاف الطاقة الداخلة.
 
لكن ضغط المسألة المناخية وآثارها المتزايدة سنة بعد سنة يجعل الحاجة لمصادر جديدة للطاقة الخالية من الكربون أمراً أكثر إلحاحاً من قبل. وقد تساهم مجموعة من الابتكارات والتطورات الحديثة في تعزيز فرص بناء مفاعلات رخيصة ومستدامة خلال فترة أقصر مما كان متوقعاً، لا سيما ما يتصل باكتشاف مواد موصلة فائقة تعمل في درجات حرارة أعلى وتسمح بتوليد مجالات مغناطيسية قوية في المفاعلات مع درجات تبريد أقل.
 
كما ساهمت التطورات التكنولوجية الأخيرة لتقنيات البناء المحسّنة ونظم الروبوتات، التي تتحرى وتصون أجزاء المفاعل، في خفض تكاليف الاستثمار في أبحاث الاندماج النووي. وهذا ما يفسر انطلاق سباق محموم بين الشركات الخاصة لبناء أول مفاعل اندماجي مستدام.
 
ومن بين المتنافسين الذي يسيرون على خطى مفاعلات "جيت" و"إيست" و"إيتر" مشروع "كومنويلث فيوجن سيستمز"، الذي يشرف عليه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بتمويل جزئي من بيل غيتس وجيف بيزوس وآخرين. وهو يهدف، نظرياً، إلى إنتاج مفاعل اندماجي في غضون 10 سنوات.
 
وتتيح التطورات الحاصلة في مجال الذكاء الاصطناعي إجراء محاكاة متقدمة للظروف المعقدة التي تحيط بالبلازما النووية وتصميم المفاعل، مما يساهم في خفض التكاليف وإنقاص الوقت المهدور وفتح آفاق جديدة للاختبارات. وتعدّ وحدة أبحاث "غوغل ديب مايند"، إلى جانب شركة "مايكروسوفت"، من بين أبرز العاملين في توفير تقنيات الذكاء الاصطناعي لقطاع الاندماج النووي.
 
إن مثل هذه الابتكارات والسرعة التي تحدث بها حالياً قد ترسم ملامح مستقبل يمكن فيه الحصول على طاقة نظيفة ومستدامة من شمس مصغّرة يصنعها الإنسان على الأرض. وفيما العالم منشغل حالياً في إغلاق المفاعلات النووية التقليدية وزيادة مساهمة الشمس والرياح في توليد كهرباء بلا انبعاثات، ربما تشهد العقود القليلة المقبلة تحولاً غير مسبوق في توليد الطاقة ضمن مفاعلات الاندماج النووي. لكن هذا يتوقف على تطوير النظرية العلمية الثابتة إلى أجهزة تعمل بفاعلية وأمان خارج المختبرات، ويمكن تشغيلها بأقل قدر من المخاطر.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.