الاستهلاك المتزايد للحوم، وتنامي مزارع الأسماك، وتضخم أسطول السيارات العالمي، وتعاظم إنتاج البلاستيك، بعض اتجاهات يتناولها تقرير معهد «وورلد واتش» الأميركي للأبحاث البيئية، مع أرقام وملاحظات خاصة بالمنطقة العربية
يقبل المستهلكون على شراء المأكولات والملابس والمنتجات الغذائية والأجهزة الإلكترونية وغيرها، التي تتسابق المصانع في توفيرها بأسعار تنافسية، من دون أن يدروا بالإصابات التي ربما لحقت بالعمال أو الأضرار التي تعرضت لها النظم الإيكولوجية المحلية أثناء عملية تصنيع هذه السلع.
من الفحم إلى السيارات إلى البن، تحطم مستويات الاستهلاك في العالم أرقاماً قياسية. ويحذر أحدث تقرير لمعهد «وورلد واتش» للأبحاث البيئية في واشنطن بعنوان «علامات حيوية: الاتجاهات التي تحدد مستقبلنا»، من أن تسارع استنزاف الموارد والتلوث وتغير المناخ قد يتسبب بتكاليف اجتماعية وبيئية لم يسبق لها مثيل. ويتفحص التقرير التطورات في ستة مجالات رئيسية هي: الطاقة، البيئة والمناخ، النقل، الغذاء والزراعة، الاقتصاد العالمي والموارد، السكان والمجتمع.
يقول مايكل رينر، مدير مشروع «علامات حيوية» (Vital Signs): «المستهلكون غالباً لا يعرفون البصمة البيئية الكاملة للمنتجات التي يشترونها، مثل المياه التي استهلكت لإنتاج قميص أو شريحة لحم، والمبيدات التي يتعرض لها مزارعو القطن، والدمار المحلي الذي تحدثه شركات الأخشاب التي تقطع أشجار الغابات لإنتاج الورق».
أسماك ولحوم وبن وقطن
أدى الاستهلاك المتزايد للأسماك إلى استنزاف كثير من المصائد الطبيعية في العالم، حتى أن الكميات التي يتم اصطيادها لم تعد تشهد تصاعداً خلال السنوات العشرين الماضية. وفي الوقت ذاته، ازداد إنتاج الأسماك في مزارع الأحياء المائية نحو 10 أضعاف منذ العام 1984، ويأتي نحو نصف كمية الأسماك التي يأكلها البشر حالياً من هذه المزارع. لكن التوسع الكبير لمزارع الأحياء المائية يثير مخاوف حول تدهور الموائل البرية والبحرية والتلوث وانتشار الأمراض بين تجمعات الأسماك المزدحمة التي تتم تربيتها في ظروف الاستزراع السمكي المكثف.
وارتفع الإنتاج العالمي للحوم أكثر من أربعة أضعاف خلال نصف القرن الأخير، وبلغ 308 ملايين طن عام 2013. ويأكل سكان البلدان الصناعية والغنية كميات من اللحوم تزيد على ضعفي ما يأكله السكان في بلدان أخرى. ويستهلك إنتاج اللحم البقري كمية من المياه تزيد كثيراً عما يستهلكه إنتاج أنواع أخرى من اللحوم، فإنتاج كيلوغرام منه يتطلب نحو 16 ألف ليتر. ويفرض النمو المطرد لإنتاج اللحوم واستهلاكها على المستوى العالمي تكاليف بيئية وصحية كبيرة، نظراً لاعتماده الواسع النطاق على المياه والحبوب العلفية والمضادات الحيوية والمراعي.
وفيما ارتفع إنتاج البن واستهلاكه في العالم إلى ضعفين منذ سبعينات القرن العشرين، فهناك مخاوف بشأن ظروف العمال واستخدام المواد الكيميائية الزراعية وزوال الغابات وتأثيرات ذلك على التنوع البيولوجي. ويرزح نحو 25 مليون مزارع بن في أنحاء العالم تحت رحمة تقلبات حادة في الأسعار. وتسعى مبادرات متعددة إلى تعزيز تجارة أكثر عدلاً وظروف أفضل للعمال وتشجيع الزراعة العضوية في هذا القطاع. لكن أصناف البن التجارية التي حازت شهادات الإنتاج المستدام لا تزيد على عُشر تجارة البن العالمية، مع أنها تتنامى بسرعة.
وتواجه جحافل مزارعي القطن الصغار في العالم تحديات قاهرة، من تقلب الأسعار إلى دعم الأسعار غير العادل الذي تقدمه بلدان غنية لمزارعيها. والقطن محصول كثيف الاستهلاك للمبيدات، ومن تداعيات ذلك نشوء آفات مقاومة للمبيدات، ومشاكل صحية، وتلوث المياه السطحية والجوفية. وللقطن بصمة مائية كبيرة، إذ إن إنتاج سروال جينز على سبيل المثال يستهلك نحو 11 ألف ليتر من المياه. وكما هي الحال مع البن، ثمة مبادرات متعددة لتعزيز المعايير الاجتماعية والبيئية في هذا القطاع، لكنها تمثل حصة صغيرة من إنتاج القطن العالمي.
تدوير هزيل
غالباً ما تُرمى المنتجات الورقية بعد شرائها بقليل، ويعاد تدوير نسبة ضئيلة منها، مع أن ذلك يحافظ على الأشجار والطاقة والمياه. ويستخدم أكثر نصف مجموع الورق المنتج لأغراض التغليف والتوضيب. ويتنامى استهلاك الورق بشكل ملحوظ في شرق آسيا، لكن الاستهلاك الفردي لسكان البلدان العربية الغنية ما زال يزيد كثيراً على استهلاك أي مجتمع آخر.
وواصل الإنتاج العالمي من البلاستيك ارتفاعه طوال 50 عاماً، وتم إنتاج 299 مليون طن منه عام 2013. لكن معدلات التدوير بقيت منخفضة، ولم تتجاوز 9 في المئة في الولايات المتحدة مثلاً. وتنتهي غالبية المنتجات البلاستيكية في المطامر والمحيطات بملايين الأطنان، ملوثة النظم الإيكولوجية وموقعة الأحياء البحرية في شراكها ومفسدة نوعية حياة المجتمعات. وينتشر البلاستيك في كل مكان وقطاع، من النقل والعمارة الى الرعاية الصحية والأغذية والمرطبات والسلع الاستهلاكية. ويبقى الاستهلاك الفردي في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية أكبر بنحو خمسة أضعاف مما هو في آسيا. وكما في حال الورق، يستأثر التوضيب والتغليف بحصة ضخمة من استهلاك البلاستيك.
ويتجاوز أسطول السيارات في العالم حالياً البليون سيارة، تساهم في تلوث الهواء وإطلاق انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحراري.
يقول مايكل رينر: «تكمن النزعة الاستهلاكية المنفلتة في صلب كثير من هذه التحديات. لذا تلعب خيارات الاستهلاك دوراً حاسماً». وبالنسبة إلى هذه المواد والسلع وغيرها، لا بد من تخفيض الاستعمال القصير الأجل وغير الضروري، وإيجاد بدائل أكثر رفقاً بالبيئة. ولئن تكن توعية المستهلكين عاملاً مهماً، لكن يجب إجراء تغييرات كثيرة قبل أن تجد المنتجات طريقها الى رفوف المتاجر، وهذا يتطلب عملاً تقوم به الحكومات.
كادر
أرقام من المنطقة العربية في تقرير «وورلد واتش»
حصلت مجلة «البيئة والتنمية» بشكل حصري على أبرز البيانات والمعلومات الواردة في تقرير معهد «وورلد واتش» حول الاستهلاك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هنا أهمها
● يؤدي الفحم دوراً ثانوياً لإنتاج الطاقة في الشرق الأوسط، حيث النفط والغاز الطبيعي هما مصدرا الطاقة الرئيسيان.
● شهدت أفريقيا جنوب الصحراء وشمال أفريقيا والشرق الأوسط إضافـة 90 ميغاواط جديدة فقط من طاقـة الرياح عـام 2013، لتملك هذه المناطق الثلاث مجتمعة 1255 ميغاواط من القدرة المركبة. ويتركز 99 في المئة من منشآت طاقة الرياح في 9 بلدان فقط ضمن هذه المناطق، في مقدمتها مصر (550 ميغاواط) والمغرب (291 ميغاواط) وإثيوبيا (171 ميغاواط) وتونس (104 ميغاواط) وإيران (91 ميغاواط). وأعلنت عدة دول أخرى عن خطط طويلة الأجـل لتركيب مزارع الرياح على نطاق تجاري، منها الأردن والسعودية.
● سُجّل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نشاط محدود في ما يتعلق بالألواح الكهرضوئية لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية. ولكن من المتوقع أن تحرز هذه السوق تقدماً في الأردن والسعودية والإمارات والكويت والمغرب خلال السنوات المقبلة، نظراً لتوقيع عدد من الاتفاقات والمناقصات وبدء تنفيذ بعض المشاريع التجارية في هذا المجال، خصوصاً في الإمارات والمغرب.
● ما زالت روسيا تملك أكبر احتياطات الغاز الطبيعي، تليها إيران وقطر. أما موارد الغاز الصخري العالمية القابلة للاستخلاص تقنياً فتقدر بنحو 7300 تريليون قدم مكعب، تتركز بشكل خاص في الصين (1115 تريليون قدم مكعب)، الأرجنتين (802 تريليون)، الجزائر (707 تريليون)، كندا (573 تريليون)، الولايات المتحدة (567 تريليون)، المكسيك (545 تريليون)، أوستراليا (437 تريليون قدم مكعب). لكن عمليات التنقيب المستمرة قد تخفض أو تزيد التقديرات الحالية، خصوصاً للجزء الذي يمكن استخراجه اقتصادياً. وتُبذل جهود لاستخراج موارد الصخر الزيني في بلدان متعددة، منها الجزائر والأرجنتين وأوستراليا وكولومبيا والمكسيك وروسيا. لكن أياً من هذه البلدان لم يحقق حتى الآن إنتاجاً على نطاق تجاري.
● الاعتماد على واردات الحبوب يزيد على 50 في المئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ندرة المياه هي العائق الرئيسي للزراعة، فضلاً عن عدم كفاءة الري.
● أكبر البلدان المصدرة للمياه الافتراضية هي الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والأرجنتين والهند وباكستان وإندونيسيا وتايلاند وأوستراليا. وأكبر مستوردي المياه الافتراضية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمكسيك وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية. الأردن، على سبيل المثال، يستورد مياهاً افتراضية تعادل خمسة أضعاف موارده المائية المتجددة السنوية.
● تنتج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثاني أصغر حصة من إنتاج البلاستيك العالمي (7.3 في المئة) بعد أميركا الوسطى والجنوبية (4.8 في المئة). ولكن مع نمو الاقتصاد وعدد السكان يستمر نمو الطلب على المنتجات البلاستيكية في المنطقة.
Vital Signs, Volume 22: The Trends That Are Shaping Our Future
By The Worldwatch Institute. 152 pages. Island Press (September 15, 2015). ISBN: 978-1610916721