عندما نزلت أوائل السيارات الى الطرق في أواخر القرن التاسع عشر، قليلون تصوروا أنها ستجتاح العالم يوماً. بل إن بعض المدن نفرت من الضوضاء والأدخنة المنبعثة من عوادم هذه «العربات التي لا تجرها الخيول»، إلى حدّ أنها اعتُبرت «غير قانونية» في أنحاء من الولايات المتحدة.
ومع الوقت رُفعت القيود، وما لبثت السيارات أن انتشرت سريعاً في أنحاء البلاد. ولكن ما زال هناك مكان واحد في الولايات المتحدة لم يغير رأيه حتى الآن، هو جزيرة ماكيناك، حيث السيارات محظورة منذ العام 1898.
تقع جزيرة ماكيناك قبالة ساحل ولاية ميشيغن، في بحيرة هورون على الحدود الأميركية الكندية. وهي منذ زمن بعيد مقصد للراحة وقضاء العطلات. وعندما بدأ وصول السيارات الى الجزيرة، وراحت تجول مقرقعة في طرقاتها التي كانت تنعم بالهدوء، مجفِّلة الخيول ونافثة الدخان في الأجواء، سرعان ما بدا للسكان المحليين أن هذا الاختراع الجديد لا يناسب نمط عيشهم، ودعاها أحدهم «مسوخاً ميكانيكية».
تحرك مجلس بلدة ماكيناك عام 1898، وحظر استعمال هذه المسوخ قبل استفحال أمرها. فقرر «منع تسيير العربات التي لا تجرها الخيول ضمن حدود بلدة ماكيناك».
قد يبدو هذا القانون غريباً عفا عليه الزمن، ولكن في ماكيناك لم يتم إبطاله بعد. فأي حياة في مكان لا يشرِّع أحد أكثر الاختراعات تأثيراً في التاريخ؟ إنها حياة هانئة فعلاً.
على رغم أن سكان الجزيرة الصغيرة لا يتعدون 500 نسمة، فإن هذا الرقم يرتفع إلى 15 ألفاً في موسم السياحة صيفاً. وفي ما عدا سيارتي إسعاف، لا تشاهد فيها أي سيارة. ويقتصر الانتقال على المشي والدراجات وعربات الخيول، ما يشكل ابتعاداً ممتعاً عن عالم السيارات خارج حدود الجزيرة.
يقول الصحافي جيف بوتر، الذي كتب مقالاً عن ماكيناك: «الهواء أنظف، وإصابات الحوادث أقل، وسكان الجزيرة أوفر صحة نتيجة الممارسات الرياضية. وهناك مساواة يُعتزّ بها، فالجميع يتجولون بالطريقة ذاتها، وهم يوفرون مبالغ كبيرة تُصرف عادة على التنقل بالسيارات».
والتنقل في الجزيرة سهل، ففيها الطريق السريع الوحيد في الولايات المتحدة الذي يخلو من السيارات ومواقف السيارات ومحطات التزود بالوقود، ويمتد على الخط الساحلي الذي يبلغ طوله 13 كيلومتراً.
يصف زوار الجزيرة تجربتهم بأنها تشبه العودة بالزمن الى عصر من الماضي، قبل أن تصبح ضوضاء السير وانبعاثات عوادم السيارات جزءاً من الحياة اليومية، وقبل أن تروِّضنا تلك المسوخ الميكانيكية.
|