Thursday 25 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
محمد عبدالفتاح القصاص كلمات عن الارهاب البيئي  
أيار (مايو) 2002 / عدد 50
 الارهاب هو كل عمل أو قرار يقصد الى الاضرار المفاجئ بحياة الناس، أو بما يملكون ويحفظون من ثروات أو تراث، أو بالظروف البيئية التي تتأثر بها وظائفهم العضوية أو تفاعلاتهم النفسية والمزاجية، أو بصحة النظم البيئية التي يعتمد عليها معاشهم، الى غير ذلك من وجوه الضرر. نقصد بالناس الفرد أو الجماعة، وقد يتسع مدى الجماعة حتى يشمل الجنس البشري جميعاً.
الارهابي الفرد أو الارهابي العصبة قد يطلق الرصاص على ضحيته، أو يفجر مسكنه أو يحرق زرعه أو يسمم ماشيته أو يطلق على غاباته مواد تدمرها (بمثل ما كان يحدث في فيتنام)، أو يطلق في مياه مصايده مواد تقتل الاسماك أو تجعلها خطراً على من يأكلها، أو يقيم سداً يمنع جريان الماء الى أحباس النهر الدنيا. هذه بعض صور الارهاب والترويع المباشر بالفعل الموجب. لكن الضرر قد يحدث بالقرار السالب، أي الامتناع عن الغوث أو عن العمل الذي يدفع الضرر. وهذا سلوك ظهر في السنوات الاخيرة بامتناع بعض الدول عن المشاركة في برامج إقليمية أو دولية تقصد الى حماية البيئة أو صون مواردها.
نذكر أن دول حوض البحر المتوسط اتفقت في برشلونة (اسبانيا) عام 1976 على المشاركة في برنامج عمل يقصد الى حماية مياه البحر من المزيد من التلوث، وصون موارده وتراثه الطبيعي من التدهور. كذلك فعلت دول الخليج التي وقّعت على اتفاقية الكويت لصون بيئة الخليج، وفعلت دول حوض البحر الأحمر التي وقّعت على اتفاقية جدة لحماية بيئة البحر الأحمر وخليج عدن من أضرار التلوث البحري. واتجه المجتمع الدولي الى عقد اتفاقيات اقليمية تقصد الى صون البيئة والمحافظة على توازناتها وحماية عناصرها لصالح الجميع. مثال ذلك اتفاقيات الحد من الملوثات العابرة الحدود في إقليم اوروبا وفي إقليم أميركا الشمالية. نجاح هذه الاتفاقيات، وما ينبع عنها من برامج العمل، في تحقيق مقاصدها يعتمد على التطبيق الدقيق لما ترسمته في وسائل الصون وطرائق التصحيح، وعلى ان ينهض كل من المشاركين في الاتفاق بما ينبغي ان ينهض به بالدقة والكمال. وتقصير البعض يفسد جهود الآخرين ويذهب بفعلهم أدراج الرياح.
قضية النظم البيئية الاقليمية تبلغ أوجها في أحواض الانهار الدولية، لأن للنهر بفطرته أحباساً وعليا هي المنابع، وله أحباس دنيا هي المصبات. ادارة حوض النهر جميعاً تعتمد على التزام المجتمعات المشاركة فيه بمبادئ حسن الجوار والتعاون بما يحقق صالح الجميع. بغير ذلك يكون في قدرة مجتمعات المنابع أن تُرهِب مجتمعات المصب بأن تمنع عنها الماء بما تقيمه من سدود، أو تفسد الماء الجاري بالملوثات والمخرجات ذات الضرر. ان عدم التزام أحد الاطراف الشركاء بالأعراف يفسد البيئة على الآخرين ويحرمهم من الموارد البيئية التي تعتمد عليها حياتهم ومعاشهم. وتتعرض أقطار المنطقة العربية لقضايا المياه وتداعياتها نظراً الى شحّ الموارد المحلية: فالانهار ذات موارد محدودة، ومصادر المياه الارضية قليلة. وتقاسي المجتمعات العربية في أرض فلسطين المحرومة من القدر الكافي من المياه العذبة بسبب تغوُّل الاسرائيليين على هذه الموارد. كذلك تقاسي المجتمعات العربية في الاردن من تحكم الاسرائيليين في مصادر المياه السطحية، وتقاسي المجتمعات العربية في سورية والعراق نتيجة ما تقيمه تركيا من سدود ضخمة على منابع النهرين.
يواجه العالم عدداً من قضايا البيئة ذات المدى العالمي. وتحديد عالمية القضية البيئية كان موضع جدل علمي وسياسي. وعندما نشأ مرفق البيئة العالمي حددت الدول المانحة أربع قضايا تستحق الدعم المالي من المرفق (المناخ ـ الاوزون ـ المياه الدولية ـ التنوع الاحيائي). هذا اختيار سياسي وليس علمياً، لأن الاساس العلمي يميز بين صنفين من القضايا البيئية ذات الصفة العالمية. الأول قضايا بيئية جهازية (systemic)، أي تتصل بواحد من النواميس التي تتحكم في الاطارات والظواهر البيئية لكوكب الأرض. القضيتان المؤهلتان للدخول في هذا الصنف هما قضية التغيرات المناخية المتوقع حدوثها في غضون القرن الحادي والعشرين، وقضية تخلخل طبقة الاوزون الموجودة في طبقات الجو العليا (الاستراتوسفير) بين 20 و40 كيلومتر فوق سطح الارض. تتميز هذه القضايا باتصالها بظواهر كوكبية ذات عموم، وبأن آثارها تقع على العالم جميعاً: مَن تسبَّب ومَن لم يتسبب. ارتفاع درجات حرارة الجو يأتي نتيجة تزايد تركيزات الغازات الحابسة للحرارة والناتجة عن توسع الناس في استخدام الوقود الحفري (غاز ثاني اوكسيد الكربون)، وفي اعمال الزراعة والري وتربية الحيوان (غاز الميثان)، وفي الصناعات الملوثة للهواء (غازات اكاسيد النتروز والكربون المكلور والاوزون). قد يكون الجزء الغالب من هذه الغازات من مخرجات بعض الدول دون غيرها. ولكن آثار تغير المناخ تصيب الاقطار جميعاً. العلاج ـ أو على الأقل تأجيل الضرر، لعل الكشوف التكنولوجية تجد للناس المخرج ـ يعتمد على التزام اقطار العالم جميعاً في اطار برامج للتعاون الدولي للتحكم في قدر المخرجات. ان تقصير بعض الدول أو رفضها التعاون يفسد جهد الآخرين ويذهب بجدوى عملهم والتزامهم. لذلك يحرص المجتمع الدولي على مشاركة الجميع. انظر الى الاتفاقية الاطارية للسعي الى تَوقّي ارتفاع درجات حرارة الجو وما يتبعه من تغيرات مناخية أخرى. وقعت الدول هذه الاتفاقية عام 1992، وأمضت خمس سنوات في مفاوضات مضنية حتى توصلت الى بروتوكول كيوتو عام 1997، وفيه تحديد لواجبات الدول في سعيها الى الحد من تزايد كميات الغازات الحابسة الحرارة التي تتصاعد منها. وتهيأ العالم لتطبيق برنامج تساهم فيه كل دولة بقسط. فاذا بحكومة الولايات المتحدة الاميركية تعلن في مارس (آذار) 2001 انسحابها من الالتزام ببروتوكول كيوتو، أي رفضها القيام بقسطها من الجهد الدولي. ولما كانت قضية تغير المناخ من قضايا البيئة العالمية الجهازية، فان خروج قطر عن إطار العمل الجماعي يكفي لافساد جهد الآخرين وجَعْله غير ذي جدوى. لهذا شرع العالم في استئناف المفاوضات سعياً لصياغات جديدة يرضى عنها الجميع ولا يخرج عن اطارها أحد. ولو أن الذي خرج عن بروتوكول كيوتو كان الهند أو الصين أو البرازيل لكانت النتيجة مثل خروج الولايات المتحدة الاميركية أو فرنسا أو روسيا أو اليابان.
مثل هذا يقال عن المساعي الدولية لمقابلة قضية تخلخل طبقة الاوزون.
الصنف الثاني من قضايا البيئة العالمية يكتسب صفة العالمية بحكم امتداد حيزه الجغرافي حتى ليشمل قارات العالم جميعاً أو أغلب حيّزها. أمثلة هذه القضايا عديدة، منها: قضايا السكان، تدهور الغابات، التصحر، فقد التنوع الاحيائي، انتقال المخلفات والكيميائيات الضارة عبر الحدود وقد برزت على السطح في السنوات الأخيرة قضايا الكائنات المهندسة وراثياً.
يعتمد النجاح في تناول كل من هذه القضايا على برامج العمل الوطنية، كل في اطار حدوده الوطنية. وكل انجاز وطني يحقق مراميه هو خطوة تصحيحية نافعة حتى وإن لم تلتزم الاقطار جميعاً بالاداء الناجح. لكن البرامج الوطنية في الدول النامية يحتاج تنفيذها الى العون التقني والمالي من مصادر العون الدولي. وامتناع هذا العون أو قصوره يقعد بهذه الدول عن النهوض بما يحقق اهداف برامج العمل الوطني ومراميه. في المفاوضات التي جرت على مدى عامي 1993 و1994 لوضع اتفاقية دولية لمكافحة التصحر، الذي تتضرر منه أكثر من مئة دولة، كان مجمل الجدل بين الدول النامية في افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية، وهي دول تعاني خسائر فادحة وتدهوراً في قدراتها على انتاج الغذاء، ودول الشمال التي تملك التقنيات والموارد المالية التي تحتاجها دول الجنوب، يدور حول قضايا التمويل ونقل التكنولوجيا. جدل لا ينتهي وتتشعب فيه الاقوال. ان حجب المعونات الدولية في سائر صورها ينطوي على تهديد للدول المحتاجة، وترويع لها حتى ترضخ للنوازع السياسية التي تبتغيها دول العون.
قد يبدو الارهاب البيئي مختلفاً عن ما درجنا على تسميته الارهاب. لأن الذي درجنا عليه عمل ضار عاجل الأثر، درامي الخطى. إلا أن الارهاب البيئي يمشي في خطى بطيئة بفعل الأثر التراكمي الذي تتصف به الاضرار البيئية. ولكنه في آخر الامر يتهدد حياة الناس، ويتهدد معاشهم والنظم البيئية التي يحصدون منها حاجاتهم من سلع وخدمات، في الحيز المحلي المحدود والحيز الواسع.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.