Friday 11 Oct 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
 
نجيب صعب مساعدات الفقراء في جيوب "الخبراء"  
كانون الثاني (يناير) 2003 / عدد 58
  
القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء اللبناني مؤخراً بعدم الموافقة على تجديد اتفاق مساعدات مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قبل وضع دراسة عن رواتب الخبراء المكلفين تنفيذ البرامج واختصاصاتهم ونوعية عملهم وإنجازاتهم، خطوة غير مسبوقة. فعادة يتم التهافت على أية مساعدات إنمائية خارجية بلا تمحيص، وكأنها تأتي بحلول سحرية لمشاكل الدول النامية. في هذه الحالة، طلب الرئيس إميل لحود إيضاحات إضافية، بعدما تبين أن معظم المبلغ يذهب إلى رواتب مرتفعة يتقاضاها خبراء. ولا يختلف الوضع في لبنان عن الدول العربية الأخرى والدول النامية عامة، التي تتلقى مساعدات دولية مخصصة للفقراء، فينتهي معظمها في جيوب بعض من تطلق عليهم صفة "خبراء".
برامج المساعدة الفنية، بطبيعتها، تقوم على تقديم خبرات إدارية وتنظيمية وعلمية إلى حكومات الدول النامية. ولهذا السبب تتركز معظم مصاريفها على رواتب الجهاز البشري المكلف تنفيذها. فلكي نبني مدرسة أو ننشئ جسراً أو نشق طريقاً أو نفتح مصنعاً، علينا أن نضع التصاميم وندرّب الجهاز القادر على تخطيط هذه المرافق وإدارتها بكفاءة. من هنا، لا يجوز إهمال الاستثمار في بناء القدرات البشرية، والمطالبة ببرامج إنمائية تقتصر على الأحجار والمعدات.
وسط الكثير من الكلام والمؤتمرات والوعود، نسمع صرخات الناس مطالبين بعمل فعلي على الأرض. والناس، المحتاجون إلى ماء وطعام ومدارس ووظائف وخدمات، على حق حين يقولون إنهم شبعوا من الدراسات ويريدون مشاريع ملموسة تصل إليهم فوائدها. غير أن مئة دراسة سيئة لا تغني عن دراسة واحدة صحيحة، إذ لا يمكن تنفيذ مشروع ناجح بلا دراسة وتدريب وتطوير قدرات الجهاز البشري. ولا يبرر فشل برامج المساعدة الفنية في إيصال فوائد إلى الناس المعنيين، اختزال هذه المرحلة والاندفاع نحو تنفيذ أية برامج قبل وضع الخطة الواضحة.
ولكن هل يكون الحل في برامج المساعدة الفنية على طريقة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوروبي؟ طرحت تساؤلات عديدة خلال السنوات الأخيرة عن جدوى إرسال خبير من الهند لتقديم خبرات فنية الى بنغلادش، وخبير من بنغلادش لتقديم خبرات إلى الهند، مثلاً، اذا كانت الخبرات متوفرة داخل البلد المعني. فلماذا لا يتم الاستعانة، أساساً، بخبرات محلية حيثما كانت موجودة؟ ولا بد أيضاً من التساؤل عن المعايير المعتمدة في توظيف "الخبراء"، وهل هناك ما يبرر صرف معظم الميزانيات لمصاريفهم بدل استثمارها في بناء القدرات المحلية؟ وهنا تبرز أهمية مطالبة الرئيس لحود بمعرفة "اختصاصاتهم ونوعية عملهم وانجازاتهم" قبل الموافقة. فكثير من "الخبراء" المزعومين يأتون إلينا لا بناء على مؤهلاتهم، بل لأنهم عاطلون عن العمل في بلدانهم.
لقد تحولت معظم برامج المساعدات الإنمائية الخارجية إلى حلقات مغلقة يتبادل فيها الموظفون الدوليون ونظراؤهم المحليون خدمات التوظيف والتنفيعات، ويكتبون لبعضهم البعض تقارير النجاح والإنجازات المزعومة. فمدير برنامج دولي في وزارة هنا، يتحول بين ليلة وضحاها الى مدير شركة كان يفترض أن برنامجه يراقبها، ثم تتحول المشاريع الى شركته، التي لا يلبث ان يتحول موظفوها الى مدراء برامج دولية، في توزيع مستتر للمغانم.
ومن التناقضات الخطيرة الرواتب التي تدفعها بعض البرامج الدولية لفئة مختارة من العاملين معها في الادارات المحلية، بما لا يتناسب اطلاقاً مع سلم الرواتب في سوق العمل. نحن نفهم أن استقطاب خبرات في اختصاصات معينة يستدعي دفع رواتب تتوافق مع سعر السوق العالمية، لأن مجالات العمل لبعض الخبراء الحقيقيين أصبحت مفتوحة عبر الحدود. غير أن الاعتماد على هؤلاء يجب أن ينحصر في مهمات استشارية محدودة لمصلحة المنظمات المانحة. وليس هناك أي مبرر لتوظيف أشخاص، مواطنين أو أجانب، بخبرات متوافرة في الادارات المحلية، لمهمات تمتد سنوات، داخل المؤسسات الرسمية، برواتب لا تتناسب اطلاقاً مع سعر السوق المحلية، ليعملوا جنباً الى جنب مع أشخاص يماثلونهم علماً وشهادات وخبرة، ويتقاضون جزءاً زهيداً من رواتبهم. وفي هذه الأجواء، يتصرف أصحاب الرواتب المرتفعة المدعومة من البرامج الدولية، داخل الادارات التي يعملون فيها، وكأنهم كائنات من كوكب آخر. وهذا يخلق حساسيات ليست في مصلحة المشاريع، ويزعزع سوق العمل. فالأجدى لضمان الاستمرارية تدريب موظفين داخل المؤسسات المستفيدة وضمن أطرها الوظيفية الثابتة، مع امكان اعطائهم بعض العلاوات التشجيعية، حفاظاً على التوازن. وهذا ما تعتمده دول عدة في العالم الثالث وتشترطه في المشاريع ذات التمويل الخارجي. وفي جميع الحالات، يمكن الاستعانة بخبرات استشارية لفترات محددة ومهمات متخصصة.
ان توفير وظائف محلية محدودة تعد على أصابع اليد، بتمويل دولي، وبرواتب تساوي أضعاف سعر السوق، يخلق بلبلة. ففي بلدان حيث معدل المعاش الشهري للمهندس في مؤسسة رسمية يوازي مئة دولار، لا يجوز توظيف مهندس بالمؤهلات نفسها، جنباً الى جنب معه، بمعاش يصل الى ثلاثة آلاف دولار مثلاً. فهذا وضع غير طبيعي، يولد شعوراً بالغبن والظلم، ويخلق عند بعض الطامحين للوظائف أحلاماً من سراب.
القروض والهبات لا تعطى مجاناً. وهي في حالات كثيرة ترهن البلد المعني ومؤسساته بقيود والتزامات قد تنتقل من جيل الى جيل. وبعض موظفي المنظمات والهيئات المانحة يسوّقون القروض ويلحّون في تمريرها، لأن وظائفهم غالباً ما تعتمد عليها. فهناك رسوم خدمة، عدا عن الفوائد، تفرض على القروض كبدلات إشراف وادارة للهيئات المانحة، فتغطي مصاريف موظفيها من أسفار عبر القارات واقامة في أفخم الفنادق. وتستمر رسوم الخدمة ما دام مبلغ القرض لم يستهلك كلياً، حتى لو توقف البرنامج لسنين، أو أُهمل في الادراج بعد توقيعه.
اذا أرادت الدول النامية الاستفادة من القروض والهبات من أجل مصالحها، عليها أن تطور قدراتها الذاتية لوضع سياسة وطنية تحدد الحاجات الفعلية والأولويات، وتفاوض على أفضل الشروط، وتراقب التنفيذ وفق جدول زمني صارم يعيّن نتائج مرحلية يجب تحقيقها. ولا بد من ايجاد معايير وآليات تدقيق للتمييز بين القروض والهبات التي تفيد البلد فعلاً، وتلك التي يتم تفصيلها وتسويقها على قياس مندوبي المبيعات الدوليين وأصدقائهم.
لا يجوز الاستمرار في فوضى التهافت على القروض والمساعدات الدولية في غياب برنامج وطني للرقابة، فنرتب ديوناً وقيوداً على الأجيال المقبلة بلا نتائج واضحة المعالم. فالهيئات المانحة، أكانت تابعة لمنظمات أو دول، ليست جمعيات خيرية. انها تعمل وفق مصالحها. وعلى الدول النامية أن تحمي مصالحها أيضاً، فتكون القروض استثمارات لنوعية حياة أفضل يستفيد منها جميع الناس.
لا يجوز أن يستمر تصميم البرامج على قياس المنظمات وخبرائها وشركائهم المحليين، بدل تصميمها على قياس الدول المستفيدة وحاجاتها الفعلية. فهكذا تتكدس عشرات البرامج والتقارير بلا فائدة ولا جدوى، ويصرخ الناس: كفانا دراسات، نريد عملاً على الأرض!
ولكن لا يجوز أيضاً أن نلوم المنظمات الدولية فقط على هذه الحال. فالمسؤولية الأساسية تقع على الحكومات، حين تتنازل عن حقها في اختيار البرامج الانمائية ومراقبتها، وحين يدخل السياسيون في لعبة تقاسم المنافع، فيوظفون الأقارب والأزلام ويتوزعون المغانم حصصاً.
المطلوب دراسة مستقلة لجميع البرامج ذات التمويل الدولي، لمقارنة وعودها حين يتم الإعلان عنها مع الإنجازات التي تحققها فعلاً. والى أن يحصل هذا، سيستمر هدر المساعدات الإنمائية في الحلقات المغلقة.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.