Wednesday 24 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
فتيحة الشرع (غرداية، الجزائر) وجه مشرق من غرداية  
حزيران (يونيو) 2004 / عدد 75
 ولد بكاي سليمان بن سعيد في بني يزقن عام 1931، احدى سنوات المجاعة الكبرى التي عاشها الشعب الجزائري ابان الاحتلال الفرنسي. آنذاك كان التمر وحده مصدر قوت العائلات، من الرضيع الى الشيخ. كانت الأمهات يضعن حبة تمر داخل قطعة نظيفة من الشاش ويعلقنها بخيط في رقبة الصغير، فيمصّها كلما جاع. حتى النوى كان يدق ويغربل، جزء لطهي الحساء وجزء كعلف للماشية.
ومثل سائر أترابه منذ سن الحبو، كان بكاي يمضي وقته بين النخيل، يرى كيف يتحول من فسيلة الى جبار، وكيف يتكون العرجون ويتشكل التمر ويأخذ ألواناً جميلة، أخضر وأصفر ذهبي وأحمر وبني، حسب المرحلة والصنف. وفي عمر الصبيان بدأ أول محاولاته في معانقة النخلة وصعودها.
ظروف المعيشة الصعبة فرقته عن هذه الحبيبة الصامتة. فسافر الى "التل"، وهي التسمية التي يطلقها سكان الجنوب على مناطق الشمال، لكسب بعض المال استعداداً لتحمل المسؤولية وتكوين أسرة. وما ان جمع ما تيسر له من الرزق الحلال حتى عاد الى غرداية عام 1962. وكان لزاماً عليه أن يختار لنفسه مهنة يستقر بها حاله ويربي بها عياله. ولأن في ذاكرته حنيناً للنخلة ولرائحة التراب وخرير السواقي، اختار خدمة الأرض داخل الواحات، ذلك النمط السائد محلياً حيثما جاور النخيل أشجاراً مثمرة كالحمضيات والتفاح والرمان والعنب والمشمش.
القديم تغيَّر!
بدأ بكاي عمله في الواحة معتمداً على المعارف التقليدية المتوارثة بين الفلاحين أباً عن جد. ولم يكتفِ بهذا، بل راح يسأل مهندسي الفلاحة وينهل من علومهم وينقل لهم كل ما يعرض له من مشاكل. ومن أوائل هؤلاء المهندسين في ناحية غرداية صالح بلحاج المدعو "باش عادل" وبليدي سعيد وهبة بكير. ومع ازدياد عدد الطلبة والمهندسين في مجال الفلاحة، وسع دائرة اتصالاته مستفيداً من تطور محتوى المناهج. فنشأ عصامياً متنوّراً يؤمن بأن وعاء العلم والمعرفة لا يمتلئ أبداً.
يتذكر بكاي كيف أن الأوائل غرسوا أصنافاً كثيرة من نخيل التمر وانتخبوا منها الأكثر ملاءمة للبيئة الصحراوية. واليوم يتألم للتقهقر الذي أصاب الصنف المسمى "تمزوارت نتلات" الذي يعطى علفاً للماشية، وكيف أن الأجداد أولوه عناية خاصة للمزايا التي ينطوي عليها. فهو يتحمل درجات الحرارة المرتفعة، وقساوة برد الشتاء إن حدث نضوج التمر باكراً، ولا يتضرر من هطول المطر خلافاً لبعض الأصناف التي تنجو منها نسبة 20 أو 30 في المئة، بل أن بعضها يضيع 100 في المئة. و"تمزوارت نتلات" لا تسري فيه دودة التمر، وفضّله الأوائل على كثير من الأصناف المحلية لأنه بارد كبير الحجم.
وليس تقهقر هذا الصنف هو وحده ما يحز في قلب بكاي سليمان، بل الخطر الكبير هو زحف مرض البيوض الآخذ في الانتشار، وهو على مشارف ولاية غرداية، لكن الناس لا يريدون أن يعترفوا بالواقع. ولانقاذ واحاتنا من هذا الوباء، ينصح بكاي كل الفلاحين بغرس النوى، اذ قد تكون بينها أصناف مقاومة طبيعياً للبيوض، مثل "أكروبوش" أو "أزرزة الميزابية". فمع كثرة الأصناف يتوسع الاختيار المتاح للفلاحين، بل قد تكتشف أصناف أحسن من تلك الموجودة حالياً، علماً أن الأصناف الموجودة في غرداية هي أحسن التمر الجزائري ان لم نقل أحسن التمر المنتشر في العالم. ويقول بكاي، استناداً الى خبرته الطويلة، ان جميع الأصناف ما هي في الأصل الا نوى، وهي ليست الأصناف ذاتها التي وجدت قديماً بل تغيرت واكتسبت خصائص جديدة.
ومن طرائف الصدف أن بكاي وجد عقد بيع قطعة أرض صادراً من محكمة غرداية عام 1936 يتضمن وصفاً لكل ما هو موجود في تلك الأرض. وورد ذكر "حشانة دقل سبعة بذراع المسمى كاسي أو موسى"، ولم يتم تمييزه آنذاك جيداً. اليوم يسمى هذا الصنف فقط "كاسي أو موسى" وهو ليس دقلاً وانما من أصناف التمر الجيد (الدقَل هو التمر الرديء). هذا التغير يجعلنا نطمح الى تحسين الأصناف من خلاف غرس النوى وعدم نزع ذاك الذي ينمو عشوائياً.
جرّبوا ثم احكموا
حيثما يتوجه الشيخ بكاي سليمان يعرض أفكاره التي استقاها من التجربة والملاحظة، محاولاً تصحيح المفاهيم الخاطئة السائدة بين الناس والتي تضر بالنخيل. على سبيل المثال، يعتقد كثيرون أن جذور (عروق) النخل تلحق أضراراً بالبنيان، خصوصاً الدهاليز، هذا النمط الذي فرضته البيئة الصحراوية اتقاء لحر الصيف. ويرى بكاي أن جذور النخيل هي الأضعف مقارنة بجذور الكروم والتين والحوامض والرمان والمشمش وغيرها التي تضر بالبنيان. أما جذور النخلة فحين تصطدم بجسم صلب تنحرف عنه، وهي تمتص الرطوبة جيداً بدليل أن من سبقونا غرسوا الى جانب كل بئر ومسجد نخلاً يشرب الماء المتدفق، وفي ذلك حكمة كبيرة.
وليست هناك كارثة أسوأ من حرق النخيل. والأدهى أن يكون السبب رمي أعقاب السجائر في الواحات، ومع الجريد اليابس والحرارة تكون الكارثة ويضيع مجهود سنوات.
على بعد 200 كيلومتر من ولاية غرداية في اتجاه الشمال تقع ولاية الأغواط، التي كانت في الماضي من أجمل الواحات. اليوم بقيت فيها بعض نخلات لا تعطي تمراً، تذكرنا بأمجاد الصنف الممتاز المسمى "أدالة". وكان بكاي التقى الشيخ صالح بن الحاج محمد بليدي، وعمره حالياً ناهز القرن قود عاش كل حياته في الأغواط، وسأله تفسيراً لذلك، فأكد له أن السبب الأول والأخير هو إهمال الناس للنخلة وتخليهم عن خدمتها.
ويواصل بكاي ضرب الأمثلة من الواقع، ومنها أن الشيخ أبا إسحاق أطفيش غرس في حديقة داره في القاهرة نخلاً من صنف "بنت قبالة" نقله من غرداية، وهو حساس للحرارة لكنه تأقلم مع جو القاهرة المعروفة بحرارتها ورطوبتها المرتفعتين، والى الآن يثمر بشكل جيد. كذلك، أخذ حجاج غرداية الى جدة بعض الأصناف مثل "دقلة نور" و"الغرس" و"بنت قبالة" وزرعوها هناك، فنجحت في التأقلم مع الحرارة ورطوبة البحر.
يسرد بكاي سليمان بن سعيد هذه الأمثلة ويقول: "جربوا ثم احكموا". وهو سيبقى، في حله وترحاله، التمر زاده والنخلة حديثه.
كادر
الشيخ وزراعة الأنسجة
سنوات من العمل الميداني نهاراً والسفر بين طيات الكتب مساء أثمرت كتيباً مصوراً يقع في 22 صفحة، تناول فيه بكاي سليمان بن سعيد الأمور العملية المتعلقة بالنخيل، مستخدماً التسميات باللغة العربية القاموسية وباللهجة الميزابية المحلية. وفيه يصف مراحل نضج التمر في بعض الأصناف، وأجزاء النخلة من العروق صعوداً، واستغلالها قديماً (الساق، السعف، الكرناف...)، والأمثال المتوارثة حولها مع شروح لها، وطرق تخزين التمر على طول السنة اتقاء لنوبات المجاعة المتكررة.
ويحرص الشيخ بكاي على المشاركة في ورش عمل حول زراعة النخيل تعقد في بلدان المغرب العربي، حيث يتم عرض وتبادل الخبرات والمهارات للمقارنة وأخذ المفيد. وفي العام 2003، كان ضمن فريق زار محطة مادي بوعلام في غرداية، حيث أخذ كل من أعضاء الفريق غلافاً صغيراً يحوي جزءاً من قلب النخلة لا يزيد طوله عن 15 سنتيمتراً من صنف "بباتي" بغية تكثيره عن طريق زراعة الأنسجة، واطلعوا عن كثب على المراحل المتبعة. كما تعرفوا على تجربة يقوم بها مختبر المحطة شملت خلية من "دقلة نور" وخلية من "أكربوش" أضيفت اليهما مواد خاصة وخضعت للخلط الجيد بواسطة جهاز دوار، بهدف أن تكتسب خلية "دقلة نور" خصائص خلية "أكربوش" في مقاومة مرض البيوض الفتاك.
 
 

التعليقات
 
Liliam
I actually found this more ennnrtaieitg than James Joyce.
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.