Friday 26 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
رياض سلامه تحفيز القطاعين الخاص والمالي للاستثمار في البيئة  
كانون الأول (ديسمبر) 2005 / عدد 93
 لسنوات عديدة اعتمد الفكر الاقتصادي معادلة تربط النمو بتعظيم الانتاج السلعي والخدمات. لكن التلوث البيئي كشف أن التطور قد حصل على حساب صحة الانسان وربما مستقبل وجوده في هذا الكون، الأمر الذي استوجب تعديل المعادلة لجعل التركيز ينصب على ضرورة أن يكون النمو سليماً مرتكزاً على الانتاج النظيف وحماية البيئة.
التوجه المعاصر يتطلب اقتصادياً أن تؤخذ بعين الاعتبار، في قياس القيمة الحقيقية للناتج الاجمالي، قيمة الهدر المتأتي من التلوث البيئي والتي يمكن أن ترتفع إلى معدلات عالية نسبياً. فقيمة هذا الهدر تتراوح مثلاً، حسب دراسة أعدها برنامج المساعدة الفنية البيئية للمتوسط (METAP) والبنك الدولي، بين 4 و8 في المئة من الناتج الاجمالي لعدد من الدول العربية المتوسطية، وهي من المستويات الدنيا في لبنان إذ تبلغ 3,4 في المئة وتقدر بمبلغ 565 مليون دولار سنوياً.
ان القطاع الخاص، بصفته محور الاستثمار والانتاج والتجارة في ظل العولمة الاقتصادية الحديثة، سيكون المكلف الأصيل باعتماد الانتاج النظيف. فهو بات المسؤول الأساسي في التوجه المعاصر عن تلبية احتياجات الأجيال الحاضرة، والمطلوب منه تأسيس نشاطاته على وجه لا يضر باحتياجات الأجيال القادمة. من هنا كان تركيز قمة الأرض التي انعقدت في ريو دي جانيرو (عام 1992)، والجولة الأخيرة لاجتماعات منظمة التجارة العالمية التي انعقدت في الدوحة، على الدور البيئي للمؤسسات الخاصة اضافة الى دوريها الاقتصادي والاجتماعي لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز تحرير التجارة في الألفية الثالثة. وكان قد سبق كل ذلك المبادرة الذاتية للعديد من الشركات الى تخصيص ادارات لديها لتطوير ما يعرف بـ"المسؤولية الاجتماعية للشركات".
صحيح أن الانفاق البيئي قد يرفع في غالب الأحيان من تكلفة الانتاج، ويجعل بالتالي السلع المصدرة أقل تنافسية في الأسواق الدولية. لكن ما ينبغي عدم تجاهله هو أن اعتماد الانتاجية غير الملوثة بات في الوقت الراهن شرطاً أساسياً لولوج أسواق العديد من الدول المجزية، لا سيما الصناعية منها. كما أن مشاريع الاستثمار النظيف أصبحت مقصد عدد متزايد من المستثمرين، الذين باتوا يستأنسون في خياراتهم الاستثمارية بتقارير مؤسسات تخصصت منذ عام 1990 بتقييم مستوى المسؤولية الاجتماعية للشركات وبتقارير تقييم مماثلة تصدرها ادارات متخصصة منشأة لدى عدد من المصارف والشركات التي تدير صناديق الاستثمار. ويصدر حالياً لمتطلبات هؤلاء المستثمرين البيئيين عدد من المؤشرات المتعلقة بتوافر المسؤولية الاجتماعية والبيئية للشركات، من أهمها مؤشر داو جونز (Dow Jones DJSI Sustainability Group Index) الذي أطلق عام 1999 ومؤشر دوميني (Domini 400 Social Index) وغيرهما.
تشير دراسات العديد من المؤسسات المتخصصة في الأمور البيئية الى وجود ترابط ايجابي بين حسن الأداء البيئي للشركات وتحسن أسعار أسهمها. لذلك يتزايد باستمرار عدد الشركات التي تعمد الى اصدار البيانات والاعلانات التي تشير الى مختلف الخدمات البيئية التي تؤديها. وهي تقوم بذلك بهدف تكوين قناعة لدى المستهلكين والجمهور بأن ثمن منتجاتها مقبول قياساً للخدمات الخاصة والعامة التي تؤديها، وأن نشاطها يتوافق مع المعايير المطلوبة من هيئات الضغط، من جمعيات مدنية تعنى بشؤون البيئة وغيرها كالأحزاب السياسية العاملة تحت تسميات عدة أهمها أحزاب الخضر. وقد نجحت بعض هذه الاحزاب في الوصول الى الحكم في عدد من الدول، عاكسة الزيادة المطردة في عدد المواطنين المناصرين لتحسين البيئة وحمايتها من التلوث.
الاقتصادات العربية ومعايير البيئة
القطاع الخاص في لبنان، وفي المنطقة العربية عموماً، مدعو الى مواكبة التوجه المعاصر الذي يطالب المؤسسات بالتزامات اجتماعية وبيئية.
بداية، يجب التفكير بآليات تؤمن اطلاع القائمين على ادارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي ترتكز عليها غالبية اقتصاد المجتمعات العربية، على ما يعتمد دولياً من معايير بيئية، خصوصاً وأن هذه المؤسسات هي الأقل تحسساً بالثقافة البيئية والأقل استعداداً وتجهزاً للقضايا البيئية. وتجربة مشروع SMITE الذي أطلقته جمعية الصناعيين اللبنانيين ضمن اطار برنامج تعاون أوروبي متوسطي، بهدف تسهيل نقل المعرفة البيئية بواسطة الانترنت، تجربة مفيدة يتعين توسيعها من قطاعات التغذية والنسيج والفنادق الى جميع النشاطات الانتاجية، واطلاق مثيل لها في جميع الدول العربية.
ان من أهم التحفيزات التي تدفع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم نحو الانتاج النظيف أنه يمكنها من الحصول على المساعدات التقنية والمالية من المؤسسات الدولية المتخصصة بالتنمية وبشؤون البيئة، وأيضاً على الدعم من البرامج التي تربط تقديماتها وتسهيلاتها للمؤسسات بالتزامات بيئية تقوم بها. وتفضَّل هذه المساعدات وهذا الدعم المالي للقطاع الخاص على فكرة منحه اعفاءات ضريبية قد ترهق الموازنة العامة في مقابل أي تحسينات بيئية مطلوبة منه.
الخدمات السياحية تأتي في مقدمة مساهمة اجمالي قطاع الخدمات في الناتج الاجمالي العربي. وهي مرشحة، في حال تم تعزيز بنيتها البيئية، لأن تجعل الدول العربية منطقة جذب متقدمة على خريطة السياحة العالمية.
والاهتمام بالامور الاجتماعية والبيئية يفيد أيضاً الشركات التي تنقل اليها ادارة أو ملكية المؤسسات العامة، بمقتضى عمليات الخصخصة التي يلحظها العديد من برامج الاصلاح وعمليات اعادة هيكلة الاقتصاد الوطني في المنطقة العربية. فقد أثبتت تجارب كثيرة أن هذا الاهتمام يخفف الى حد كبير من انتقادات مناهضي الخصخصة، لأنه يعزز من شأن الصالح العام. ويمكن للحكومات أن تشترط في عقود نقل الملكية العامة الى القطاع الخاص خدمات اجتماعية وبيئية معينة، تراقب حسن الالتزام بتأديتها من خلال احتفاظها بسهم ذهبي يمنحها صلاحية تصويب أي انحراف بيئي.
تدخُّل المشرِّع يبقى في كل الأحوال أمراً ضرورياً لتنظيم الأداء البيئي للشركات، في نظر الاقتصادي رونالد كوس الحائز جائزة نوبل لسنة 1991. فقد يحصل اعتراض من قبل المساهمين على أساس أن الاتفاقات البيئية غير الملحوظة في أنظمتها هي اقتطاعات غير جائزة من الارباح. بعض التشريعات الحديثة والمنظمات تلزم الشركات بواجب الافصاح والاعلان وتنظيم التقارير عن المخاطر التي تلحقها هذه بالبيئة وبديمومة نشاطاتها.
أهمية مرفق بيئي عربي
تقول آمي دوميني المعروفة بادارة صناديق الاستثمار المشتركة في المجالات البيئية والتي أطلقت المؤشر البيئي المعروف باسمها: "ان العالم الذي نحيا فيه يتحدد بالطريقة التي نستثمر فيها أموالنا". هذا صحيح، فأصحاب رؤوس الأموال يملكون القدرة على تحسين البيئة أو الاضرار بها، وفقاً لمدى اهتمامهم عند تكوين محافظهم الاستثمارية باختيار صكوك المؤسسات التي تستوفي المعايير البيئية أو عدم اختيارها، وأيضاً عند تصويتهم في الجمعيات العمومية الى جانب القضايا البيئية أو ضدها.
بالنسبة الى المؤسسات المصرفية والمالية، فان مصلحتها الاكيدة على المدى البعيد هي في التعامل مع مؤسسات اقتصادية توفر كل الضمانات حول عملها باطار بيئي سليم. فهذا الأمر:
- يعزز ممارستها لمفهوم التمويل المالي الصحيح الذي يراعي أثر كل تمويل على الاقتصادين الكلي والجزئي معاً، فالاقراض الاقتصادي السليم هو النشاط الذي يرمي الى تحقيق الربح المزدوج للمؤسسة المقترضة وللبيئة.
- يجنبها عدداً من مخاطر التسليف، كتوقيف المؤسسة المقترضة أعمالها نتيجة تعليق أو سحب الترخيص الاداري المعطى لها بسبب مخالفتها للشروط البيئية، وتآكل قيمة العقارات المقدمة ضماناً للقروض الممنوحة عند زيادة أو تفاقم الاخطار البيئية في مكان وجود هذه العقارات، خصوصاً وأن غالبية ضمانات التسليف في المنطقة العربية هي ضمانات عقارية. وهذه المخاطر يمكن أن تنقلب ايجابيات في حال اعتماد سياسات بيئية مؤاتية تؤدي الى زيادة في قيمة العقارات وبالتالي في قيمة الضمانة التي تمثلها.
- يدعم استجابتها لمقررات بازل لجهة حسن التحوط من المخاطر التشغيلية، ومن بينها المخاطر القانونية كامكانية ادخال المؤسسة المقرضة كخصم متضامن الى جانب المؤسسة المقترضة المسببة للضرر البيئي في دعوى المطالبة بتعويض هذا الضرر.
التمويل المسؤول بيئياً واجتماعياً هو الأساس في عمل المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية، وانتشارها في العالمين العربي والاسلامي خلال الربع الأخير من القرن يشكل بلا ريب دعماً ذاتياً مهماً للبنية البيئية فيهما.
ان قرار مجلس الجامعة العربية المتخذ في دورته السابعة عشرة في شهر آذار 2005، والقاضي باحداث مرفق بيئي عربي لتحفيز الاستثمار العربي والأجنبي في قطاع البيئة تشارك فيه صناديق التضامن العربي ودول ومانحون عرب وغيرهم، يقدم فرصة ثمينة لتركيز الجهود المحلية والاقليمية على خصوصية وأولوية المشاكل البيئية وتقوية القدرات لحلها بالموارد والوسائل الخاصة. وهو اتجاه يقدر له أن يكون أكثر فعالية من دور المرفق العالمي للبيئة، لأنه يقيم تواصلاً باللغة المحلية ويعتد بالظروف الخاصة للمجتمع الذي سيعمل فيه.
وهي فرصة مفيدة للقطاع المالي العربي، لأنها تؤسس لقيامه بدور وساطة محورية بين المرفق البيئي العربي ومؤسسات القطاع الخاص العربي. وهذا الأمر سيدفع المؤسسات المصرفية والمالية العربية الى تطوير الكثير من نشاطاتها وعملياتها وتعميق دورها في تنقية البيئة العربية، وهو أمر له أثره الأكيد في تحسين الأعمال وتعزيز القدرات والطاقة الانتاجية النظيفة في الميادين كافة.
ونحن في مصرف لبنان لا يسعنا الا أن نحيي وندعم مشروع المرفق البيئي العربي، فهو يدعم الخبرة التي اكتسبتها المصارف اللبنانية في ادارة التسهيلات المتنوعة المقدمة من جهات دولية للقطاع الخاص اللبناني. وهذه الخبرة تعضد انتشارها في المحيط العربي، في وقت تركز فيه السياسات المصرفية الراهنة على دعم تصدير خدمات القطاع المالي اللبناني الى الخارج. كما أن الخطاب البيئي العربي الجديد سيزيد من الحاجة الى خدمات أرباب العمل واليد العاملة اللبنانية، وكلاهما معروفان بميزاتهما التفاضلية المتنوعة. وهذا سيدعم دوره الحيوي الاقليمي وخططه لتحقيق النمو المستدام ويرسخ الاستقرار النقدي والاقتصادي، اللذين تعمل عليهما سياسات ما بعد أحداث السبعينات والثمانينات.
رياض سلامه، حاكم مصرف لبنان، شارك بهذه الورقة خلال الطاولة المستديرة التي عقدت في بيروت لبحث انشاء "مرفق البيئة العربي".
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.