غابات الأردن والهجمة الشرسة
خطة وطنية لردع المعتدين وتشديد الرقابة واستيراد الفحم والحطب والتوعية بأهمية الغابات، مع فتوى بتحريم الاعتداء على الأشجار الحرجية
عزة عبدالمجيد - عمان
أسباب كثيرة يعدّدها مسؤولون وخبراء وناشطون لتزايد حجم الاعتداءات على غابات الأردن وما تحدثه من أضرار بالغة بتلك الثروة الحرجية التي يقدر عمر بعض أشجارها بمئات السنين. باتت تلك الاعتداءات تدق ناقوس الخطر وتثير الرأي العام والناشطين في مجال البيئة. وعلى رغم أن القوانين الزراعية الأردنية تتضمن حماية كافية لتلك الثروة، إلا أن خطة وطنية صيغت مؤخراً لمواجهة الهجمة العنيفة على هذا المورد الطبيعي الغالي.
يعتبر الأردن من الدول الفقيرة بمواردها الزراعية، وخاصة الحرجية، حيث تبلغ نسبة مساحة الغابات نحو 0.9 في المئة من مجمل مساحته، منتثرة من وادي اليرموك شمالاً إلى وادي موسى ومرتفعات الشراه جنوباً. ويرى المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي أن من أهم المشاكل التي يعاني منها الغطاء النباتي في الأردن تعاقب سنوات الجفاف، والحرائق التي أتت على مساحات ليست بالقليلة وخصوصاً الغابات الصنوبرية، والرعي الجائر والتحطيب بهدف الاتجار بأخشاب الغابات للتدفئة. يضاف إلى ذلك أثر الملكيات الفردية داخل حدود الغابات، والتي يقع أغلبها في مساحات متقطعة، إذ يعمل بعض أصحابها على التخلص من مخلفات مزارعهم بحرقها في الغابات مما يسبب حرائق كثيرة.
وفوق كل هذا، تلفت مديرية الحراج في وزارة الزراعة إلى وجود تغير سلوكي تمثل في «استحلال» قطع الأشجار تحت مبرر الظروف الاقتصادية، لغياب الوعي بأهمية الغابات الاقتصادية والمادية وكذلك غياب الرادع الديني والأخلاقي لدى المعتدين. كما تحصل تعديات على الأراضي بإقامة مساكن أو إنشاء مقالع.
تبلغ مساحة الأراضي المسجلة أحراجاً في الأردن نحو 1.5 مليون دونم، تشتمل على 400 ألف دونم من الغابات الطبيعية و476 ألف دونم من الغابات الصناعية، بالإضافة إلى 368 ألف دونم من المحميات الرعوية. وهناك خمسة أنماط نباتية رئيسية من الغابات. فغابات العرعر الفينيقي تنتشر في مناطق طيبة زمان في البتراء ورأس النقب وقمم الجبال في منطقة رم، ويصل عمر بعض أشجارها إلى 700 سنة. أما غابات السنديان أو البلوط المستديم الخضرة فتوجد في الشوبك وضانا وجرش وعجلون، بينما تنتشر غابات الصنوبر الحلبي بصورة رئيسية في منطقة محمية دبين الواقعة أيضاً في محافظة جرش. ويعتبر البلوط العقابي الشجرة الوطنية للأردن، وتنتشر غاباته في العديد من مناطق البلاد. وتمثل غابات السيال النمط الخامس، وهي ذات أصول أفريقية استوائية، وتقع في وادي عربة بين البحر الميت شمالاً وخليج العقبة جنوباً.
أدى تزايد الاعتداءات على الغابات ونشوب الحرائق المتعمدة فيها، مع ما أحدثه ذلك من أضرار واسعة، إلى التوجه لصياغة تشريعات وتبني إجراءات حاسمة لوقفها ومعاقبة المعتدين. وقدرت قضايا الاعتداء على الثروة الحرجية بنحو 1982 قضية عبر مساحة 70 ألف دونم في مختلف مناطق البلاد خلال الفترة بين 2002 و2014. وقد يتبادر إلى الذهن أن حجم تلك التعديات لا يتناسب مع الرقم المتزايد لعدد الحرائق المعلن عنها في الصحافة اليومية، وكثير منها متعمد، إلا أن بعضها قد يندلع في ممتلكات خاصة تقوم أجهزة الدفاع المدني بإطفائها وقد لا تطال أشجاراً حرجية. أما دائرة الحراج فتقوم بتسجيل محاضر ضبط في من يتم التعرف إليه من مرتكبيها، وهي معنية فقط بحرائق الغابات والأشجار الحرجية.
يقول مدير الحراج المهندس عيد الزعبي إنه تم تعديل قانون الزراعة أكثر من مرة بشكل يتناسب مع الظروف ويحافظ على الثروة الحرجية. وتواجه المديرية الاعتداءات حالياً من خلال خطة وطنية تشمل جميع وزارات الدولة، بما يتضمن تحديث التشريعات القانونية وتشديد العقوبات بحق المعتدين على الغابات من خلال غرف قضائية خاصة. وستسمح الخطة باستيراد الحطب والفحم من خارج الأردن وإعفائهما من الرسوم الجمركية. كما صدرت فتوى من دائرة الإفتاء العام بتحريم الاعتداء على الأشجار الحرجية.
وفيما يشير المركز الوطني إلى ضعف كفاءة مشاريع تطوير الثروة الحرجية وحمايتها بسبب نقص الموارد المالية والبشرية والبنية التحتية الملائمة، يبدو أن الإجراءات التي تتضمنها الخطة ستشدد الرقابة على الغابات بزيادة عدد الأبراج والمعدات الضرورية، وبناء خزانات مياه في بعض المناطق لمكافحة الحرائق مع تسيير دوريات مشتركة بين كوادر الحراج والأمن العام.
لم تغفل الخطة ضرورة التوعية والتثقيف بأهمية الغابات، ويقول الزعبي إن ذلك سيتضمن نشرات توعوية وبث رسائل عبر وسائل الإعلام وعقد دورات تثقيفية للمواطنين وطلاب الجامعات والمدارس، والتعاون مع الجمعيات البيئية والنقابات وشيوخ العشائر، وحث خطباء المساجد على الإشارة إلى أهمية الثروة الحرجية وضرورة الحفاظ عليها. ■
كادر
دفاعاً عن برقش
قبل نحو أربعة أشهـر، توافد على أحد أحياء عمان حيث يقام «سوق جارا» السنوي ناشطون بيئيون ضمن «الحملة الوطنية لإنقاذ غابات برقش من الإعدام»، وذلك بمناسبة ما سمته الحملة «مرور عام على تقطيع أكثر من 2200 شجرة من أراض تعود لخزينة الدولة في منطقة عجلون ـ عرجان ـ برقش».
وتعتبر غابات برقش محمية طبيعية في لواء الكورة بمحافظة إربد، وتشرف قمتها الشهيرة على معظم مناطق شمال الأردن. ويتجاوز عدد أشجارها المليونين يعود بعضها إلى نحو 500 عـام، وتضم 47 نوعاً من الأشجار الحرجيـة بينهـا السنديان والبلوط والملول والقيقب، وأنواعاً من الحيوانات البرية بينها الغزلان، كما تنمو فيها أزهار برية نادرة كالدحنون والسوسنة السوداء زهرة الأردن الوطنية.
سبقت التجمع وقفات احتجاجية وزيارات متكررة لمنطقة الغابات، وأقيم خلاله معرض للصور سلط الضوء على الاعتداء على الغابات الحرجية في برقش وعجلون، والتعبير عن رفض قرار قطع الأشجار وتسييج جزء من الغابات في تلك المنطقة. وكانت الحملة انطلقت قبل نحو أربـع سنوات إثـر أنباء عن تقطيع أشجـار في الغابـة وتسييج مساحة 981 دونماً بهدف بناء أكاديمية عسكرية على أرضها.
ومع أن وزارة الزراعة أعلنت في وقت لاحق التزامها بعدم قطع الأشجار الحرجية في الغابة، وأن الأكاديمية العسكرية ستقام في أرض جرداء، إلا أن الحملة أرادت التذكير «بما تم التوافق عليه مع وزير الزراعة حول ضرورة العمل على تصويب المخالفة القانونية بقطع الأشجار وتسييج ما مساحته 981 دونماً»، وطالبت «بإعادة تأهيل الأرض التي تم قطع الأشجار فيها بإعادة زراعتها بأشجار حرجية جديدة تحت إشراف الوزارة».
تبرز تلك الحملة الوطنية تزايد اهتمام الرأي العام واندفاع المنظمات البيئية والناشطين لحماية الطبيعة، بما فيها الغابات التي ارتفعت نسبة الاعتداءات عليها. ويؤمل أن يؤدي ذلك في وقت قريب إلى تعاون جميع الأطراف لمواجهة هذه الاعتداءات وردعها.