Thursday 18 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
مقالات
 
كاظم المقدادي التلوث النووي حصل في العراق... ومشروع لتنظيف "التويثة" المنهوبة   
حزيران (يونيو) 2006 / عدد 99
 أخيراً، بعد صمت طويل على التلوث الإشعاعي وأضراره في العراق، كسرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية طوق الضغوط والتدخلات الأميركية، المباشرة وغير المباشرة، المفروضة عليها، واعترفت بوجود تلوث إشعاعي خطير في منطقة التويثة التي تبعد 20 كيلومتراً جنوب بغداد. وأعلنت أن أكثر من ألف عراقي يعيشون في قرية قريبة من المجمع السابق للبرنامج النووي العراقي في التويثة، بينهم أطفال ونساء، يتهددهم الخطر نتيجة التلوث بالإشعاعات، حيث مستوى الإشعاع أعلى بكثير من الطبيعي، وأن بقاءهم معرضين لفترة أطول يزيد الخطر المتربص بهم ("الغارديان"، 2006/4/25).
وأعلنت الوكالة أنها تستعد للقيام بمشروع كبير يرمي الى تنظيف ومعالجة الاشعاعات النووية المنبعثة من منشأة التويثة، وأن هذا المشروع يأتي بناء على طلب تقدمت به الحكومة العراقية (كونا،2006/4/28 ). وطلبت الوكالة مساعدة دولية للتعامل مع تحدّ طويل الأمد، مضيفة أن قوات الاحتلال قصفت المجمع، بينما نهبه العراقيون حين سرقوا الحاويات النووية وأفرغوها واستخدموها. وأوضح دنيس ريسينويفر، خبير الأمن النووي لدى الوكالة المسؤول عن عملية التطهير المرتقبة: "إنها عملية ضخمة قد تستغرق سنوات عديدة. ومن الخطوات الأولى أن نحدد ونقرر أولويات تنظيف المناطق الملوثة التي تشكل أكبر خطورة على المواطنين. ومن التحديات التي تواجه جهود التنظيف تحديد مواقع ما زالت مجهولة وأجهزة ومواد ملوثة لا نعرف أين دفنت، واستعادة سجلات مفقودة للمواد المشعة التي كانت محفوظة في حاويات النفايات ("رويترز"، 2006/4/25).
كان موقع التويثة المقر الرئيسي لهيئة الطاقة الذرية العراقية المنحلة، وضم العديد من المختبرات والمخازن التي احتوت معدات كثيرة ومئات من حاويات المواد المشعة. وقد قصفه الطيران الإسرائيلي عام 1981 وقصفته القوات الأميركية عام 1991، ونهب في نيسان (أبريل) 2003 أمام أنظار القوات المحتلة التي لم تحرك ساكناً. وتم إفراغ حاويات المواد المشعة في المزارع والأنهار، وحتى في بالوعات المنازل، واستخدمت الحاويات الفارغة كأوعية للماء والحليب. وكان الفاعلون يجهلون مخاطر فعلتهم.
نداءات لم تسمع
كانت مجلة "البيئة والتنمية" في طليعة وسائل الإعلام العربية التي اهتمت بالموضوع. فنشرت العديد من التقارير والتحقيقات التي حذرت من مغبة تجاهل مخاطر التلوث الإشعاعي في العراق، ودعت الى التدخل فوراً لدرء الخطر والسيطرة عليه وتوفير الحماية للمواطنين منه، وإجراء مسح شامل في المنطقة، ومن ثم في المحافظات الأخرى، للتأكد من عدم انتقال التلوث اليها. وأشارت الى أن القياسات الإشعاعية التي أجراها خبراء نوويون لعشرات البيوت المحيطة بمقر هيئة الطاقة الذرية العراقية بينت تسرب التلوث الإشعاعي حتى الى مقتنيات البيوت وبدرجة خطيرة جداً، إذ زاد أكثر من 600 – 500 مرة عن الجرعة المسموح بها.
وكانت شبكة CNN أفادت في 2003/5/22 أن سكان المنطقة بدأوا يشكون من أمراض تتفاوت من الاجهاد والطفح الجلدي الى أعراض تسمم إشعاعي حاد. وحذر خبراء من مشاكل صحية خطيرة قد يتعرض لها الذين مكثوا لفترات طويلة هناك. وفي ما بعد توالت التقارير الطبية عن إصابات سرطانية وحالات ولادات مشوهة ووفيات غريبة، أخذت تنتشر في المناطق القريبة من موقع التويثة، وخاصة المدائن، والقرى الواقعة على جانبي نهر ديالى.
عقب نهب موقع التويثة، طلبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من سلطة الإحتلال السماح لخبرائها بدخول العراق فوراً للوقوف على حجم المواد المشعة التي نهبت (قدرت بنحو 1,8 طن من اليورانيوم المنخفض التخصيب، و500 كيلوغرام من اليورانيوم غير النقي، بالإضافة الى كميات من نظائر شديدة الإشعاع، موزعة على نحو 500 برميل وحاوية)، وذلك لدرء مخاطرها والسعي لإستعادة المفقود منها. غير أن سلطة الإحتلال لم تسمح لخبراء الوكالة بالمجيء إلا بعد ستة أسابيع من تقديم الطلب، وأصرت على ابتعادهم عن مهمة تقييم المخاطر التي تعرض لها السكان في المناطق المحيطة بالمواقع النووية. وبناء عليه لم يشر تقريرهم، الذي نشر بعد شهر من إتمام عملية التقييم التي دامت أسبوعين، الى التسرب الإشعاعي، وكأن الوكالة الدولية غير معنية به ولا يدخل ضمن التزاماتها.
لو حدث هذا في الغرب!
كتبنا قبل ثلاث سنوات عن تحذيرات خبراء وتقارير ميدانية، عراقية وأجنبية، تؤكد أن خطراً حقيقياً انطلق ولن توقفه أي حدود ما لم يتم تداركه. وظهرت أولى نتائج ما حدث في المناطق المجاورة للتويثة، حيث تعرض المواطنون لجرعات متفاوتة من الإشعاع، بسبب استخدامهم للحاويات الملوثة أو بسبب التلوث الذي حصل نتيجة سكب محتوياتها المشعة في المنطقة. ولم يقتصر ما حصل على التويثة، بل امتد الى مدينة الكوت البعيدة عنها، والى مناطق أخرى، حيث تبين أن 7 مواقع نووية عراقية تعرضت للنهب.
آنئذ ذكرت تقارير أن فريقاً أميركياً رفيع المستوى من الخبراء النوويين تأكد من حصول تسرب إشعاعي. تفقد فريق للبنتاغون مركز التويثة، وعثر على مواد مشعة مبعثرة في أرجاء الموقع. وصرح أحد أعضاء "فريق الدعم المباشر" للخبراء الأميركيين بأن المادة الإشعاعية المكتشفة تمثل خطورة على الصحة أكثر من أي شيء آخر. وأكدت العالمة الهولندية ريان تولي، المختصة بالاشعاع والتي عملت ضمن فريق "غرينبيس" الذي زار المنطقة وفحصها ميدانياً، أن الناس في الأماكن القريبة من التويثة يستقبلون إشعاعاً في نصف ساعة يعادل الحد الأقصى الذي يستقبله الفرد خلال عام كامل بالمعايير الغربية، مما يعرضهم للاصابة بالسرطان وغيره من أمراض الإشعاع.
حيال ذلك قال مايك تاونسلي، المتحدث باسم "غرينبيس": "لو حدث هذا في بريطانيا أو الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، لكانت القرى المحيطة بمجمع التويثة تعج بخبراء الاشعاع وفرق إزالة التلوث". وانتقد الإدارة المدنية الأميركية على نفيها المتواصل أن يكون انتشار الاشعاع بين سكان التويثة يمثل تهديداً للصحة العامة، وإصرارها على عدم وجود أي مشكلة، ومنعها للاسرة الدولية من مواجهة ما حصل، مضيفاً: "انها تدفن رأسها في الرمال. لقد نبه العديد من الأطباء العراقيين، العاملين في مستشفى المدائن والمراكز الصحية المحيطة بالتويثة، الى عشرات المصابين الذين يراجعونهم بحالات التسمم الإشعاعي، وهم عاجزون عن معالجتهم. ودعوا الى درء الكارثة، مقدرين عدد العائلات المهددة بالإشعاع في المنطقة بأكثر من 4000 عائلة".
عملية تطهير التويثة وما حولها من التلوث الإشعاعي كان ينبغي أن تتم قبل ثلاث سنوات. فلو جرت في وقتها، وسبقها مسح شامل لتحديد المواقع الملوثة، لتم درء خطر الإشعاع والسيطرة عليه وتوفير الحماية للمواطنين منه، ولكانت العملية أسهل وأضمن ومن دون مضاعفات وتداعيات، ولتمّ وقاية ألوف المدنيين العراقيين الأبرياء من الإصابات والموت بالسرطان والأورام الخبيثة والتشوهات الولادية التي حصلت في عشرات القرى (نحتفظ بأسمائها وأعداد المصابين والمتوفين فيها بتأثير الإشعاع).
ومع أن العملية متأخرة جداً، لكنها ضرورية وتحتاج الى دعم دولي فاعل. فهل ستكفّر الإدارة الأميركية عن ذنوبها وتدعم تنفيذ مشروع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في هذا المضمار؟
الدكتور كاظم المقدادي باحث عراقي مقيم في السويد، رئيس قسم إدارة البيئة في الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
فريدريك دال - فيينا قنابل قذرة
منير بوغانم الغابات الجنوبية ضحية اضافية للحرب
راشد الساعد الماء سلاح آخر على رقاب الفلسطينيين
يان هينوب - إندهوفن، هولندا لعبة تكسح الألغام
هادي العصامي (بغداد) مجازر العراق
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.