Monday 14 Oct 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
مقالات
 
الجفاف يشرّد مزارعي سورية  
تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 / عدد 152
 سورية هي مهد القمح... تسمية قد تبدو غريبة إذا تواصل التأثير الكارثي للجفاف، الذي بدأ قبل أربع سنوات، على محاصيل القمح والعاملين فيه، خصوصاً في الأجزاء الشمالية الشرقية من البلاد. فقد دفع آلاف المزارعين إلى النزوح ومئات الآلاف نحو الفقر المدقع
يدفع الجفاف ما بين مليونين وثلاثة ملايين سوري نحو "فقر مدقع" بالمقارنة مع 2,02 مليون خلال عامي 2003 و2004، بحسب دراسة حديثة أعدها المقرِّر الخاص للأمم المتحدة حول حق الغذاء أوليفييه ديشوتر، الذي زار سورية بين أواخر آب (أغسطس) وأوائل أيلول (سبتمبر) 2010 بدعوة من وزارة الخارجية.
فقد أثر الجفاف الذي دام أربع سنوات على 1,3 مليون شخص بشكل حاد حتى الآن، منهم 800 ألف دُمرت مصادر رزقهم. والجزء الشمالي الشرقي من البلاد هو الأكثر تأثراً، خصوصاً في محافظات الحسكة وديرالزور والرقة حيث يعيش 95 في المئة من المتضررين، وفق ديشوتر. ومن المتوقع أن تهاجر 50 ألف عائلة أخرى من مناطق ريفية هذه السنة، بالمقارنة مع 30 ألفاً عام 2009، تاركة وراءها أراضي زراعية مهملة. وكان مئات الآلاف من سكان المناطق الشمالية الشرقية هاجروا في سنوات سابقة إلى ضواحي العاصمة دمشق، وهم يعيشون حالياً في مخيمات ومساكن عشوائية.
 
الهلال الخصيب نحو القحط؟
تشير بعض التقارير إلى أن الأراضي التي تتوسط الهلال الخصيب أخذت تتحول إلى أراض قاحلة. فقد انهارت نظم الري القديمة، وجفت موارد المياه الجوفية، وخلت مئات القرى من سكانها بعدما تحولت الأراضي الزراعية إلى صحراء متشققة ونفقت الحيوانات التي تعيش على الرعي. وارتفع عدد المخيمات الشاسعة التي تؤوي النازحين وعائلاتهم حول البلدات الكبرى في سورية والعراق.
أحمد عبدالله (48 عاماً) هو أحد المزارعين السوريين النازحين، يعيش في خيمة مع زوجته و12 ولداً بجوار نازحين آخرين كثر. وهو قال لمراسل «نيويورك تايمز» في تحقيق نشر في 13 تشرين الأول (أكتوبر): "أملك أرضاً مساحتها 19 هكتاراً كنت أزرعها قمحاً، وهي الآن كلها صحراء. لقد أُجبرنا على النزوح. ونحن الآن تحت الصفر: لا مال، لا عمل، لا أمل".
في حزيران (يونيو) 2010، أفادت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أن الجفاف انتهى في سورية، لكن عدم انتظام هطول الأمطار أحدث خللاً في المحاصيل. غير أن وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة، مثل برنامج الغذاء العالمي، تؤكد أن الجفاف مستمر وتصف الوضع بأنه "سيئ حقاً".
كان العامان 2007 و2008 الأكثر دماراً. فقد تأثر المزارعون الصغار لعجزهم عن زرع محاصيل غذائية كافية. وتظهر أرقام الأمم المتحدة أيضاً أن الرعاة فقدوا ما بين 80 و85 في المئة من مواشيهم منذ 2005.
الأخطر من ذلك أن إنتاج القمح، وهو المحصول الاستراتيجي الرئيسي في سورية، لم يلبِّ الطلب هذه السنة. وتشير أرقام رسمية إلى أنه هبط هذه السنة إلى 2,4 مليون طن، بعدما كان 4,1 ملايين طن عام 2007، في حين ارتفع الاستهلاك إلى نحو4 ملايين طن سنوياً، ما يستوجب استيراد القمح للسنة الثالثة على التوالي. كما يتوقع خبراء الأمم المتحدة أن يتفاقم الوضع أكثر خلال 2010 نتيجة مرض الصدأ الأصفر الذي يصيب القمح.
تعليقاً على ذلك، قال الدكتور رامي زريق، أستاذ العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت: "من المفارقات أن هذه المنطقة هي الموطن الأصلي للقمح والشعير، وأصبحت الآن من أكبر مستورديهما".
إن القمح الذي كان يوماً مبعث فخر ومصدر اكتفاء ذاتي في سورية، وحتى سلعة للتصدير، ذهب الآن مع الريح.
 
الأمن الغذائي مهدّد في سورية والعراق
أفاد مسؤولون في وزارة الزراعة السورية أن الأحوال المناخية المتغيرة، مثل عدم انتظام هطول الأمطار، هي التحدي الأكبر الذي تواجهه سورية ومزارعوها حالياً. وهناك مخاوف من أن تصبح التغيرات المناخية دائمة نتيجة الاحترار العالمي. تقول جيني سويرز، وهي أستاذة في جامعة نيوهامشير ولها مؤلفات حول قضايا المناخ في الشرق الأوسط: "لقد حدثت دائماً موجات جفاف في المنطقة، لكن المناخ الإقليمي يتغير بطرق يمكن ملاحظتها بوضوح. وسواء دُعي تغيراً مناخياً يتسبب به الانسان أم لا، فإن أجزاء كبيرة من المنطقة بدأت تصبح أكثر سخونة وجفافاً، مع هطول أمطار غزيرة غير منتظمة وحدوث فيضانات أكثر شدة في بعض المناطق. ولا مفر من نزوح السكان، خصوصاً مع ضعف استعداد الحكومات لمواجهة الوضع".
وهناك تخوف جدي من هبوط مناسيب المياه الجوفية نتيجة عدم الكفاءة في استعمال المياه. فقد حذر ديشوتر من أن حفر الآبار غير القانونية يشاهد بكثافة في أنحاء سورية والعراق، وأن مناسيب المياه الجوفية تهبط بمعدل "مخيف حقاً". ويحتاج المزارعون إلى الآبار بسبب انعدام هطول الأمطار. وقد انخفضت موارد المياه الجوفية في سورية بمقدار النصف بين عامي 2002 و2008، ويعود السبب جزئياً إلى الهدر والاستعمال المفرط.
يتحدث الكثير من المزارعين النازحين عن جفاف الآبار وتلوثها في الرقة. قال خلف عايد نجم: "كان عمق بئرنا 70 متراً، وهي الآن على عمق 130 متراً، وقد أصبحت المياه مالحة. لذلك أقفلناها". ونجم هو راعي أغنام ومزارع يرأس تجمعاً تعاونياً محلياً لنازحين من المناطق الشمالية. غادر قريته التي تبعد نحو 100 كيلومتر عن الرقة بعد أن نفق نصف قطيعه وجفت حقوله، وهو يعيش الآن في غرفة مع أولاده الـ 17 وزوجتيه وأمه.
في العراق أيضاً، جف أكثر من 70 في المئة من الكهاريز، أو الأفلاج، وهي قنوات المياه القديمة التي تمتد تحت سطح الأرض، وتم التخلي عنها في السنوات الخمس الماضية، وفق تقرير الأمم المتحدة. وقال زايد العلي، وهو محاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس أجرى في آب (أغسطس) 2010 دراسة ميدانية حول المياه والمزارع في محافظتي كركوك وصلاح الدين في شمال العراق: "رأينا قرى بكاملها مدفونة تحت الرمال. الوضع يدعو الى اليأس".
 
خطط للمواجهة: هل تهزم الجفاف والفقر؟
يقول محللون إن سورية طوّرت خطة وطنية لمواجهة الجفاف، غير أنها لم توضع قيد التنفيذ بعد. لكن تم اتخاذ بعض الإجراءات. ففي حزيران (يونيو) شرعت الحكومة وبرنامج الغذاء العالمي في تقديم مساعدات غذائية لنحو 200 ألف شخص في ثلاث محافظات متأثرة بالجفاف. وهذه المبادرة هي الثانية منذ أطلقت الأمم المتحدة خطة في العام الماضي لمكافحة آثار الجفاف. والعمل جار أيضاً لتنفيذ مزيد من السياسات الزراعية الكفوءة. ويتم تدريجياً استبدال التخطيط المركزي بتخطيط موضوعي، مع قيام صندوق دعم زراعي بتقديم إعانات مالية لبعض المحاصيل الاستراتيجية.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) تم إطلاق مشروع ري في حوض الفرات الأسفل قرب دير الزور لتخفيض السحب من خزانات المياه الجوفية. لكن بعض المحللين يلومون الحكومة، لسوء تخطيط ساهم في تفاقم المشكلة، وهم يقولون إن سورية أنفقت 15 بليون دولار على مشاريع ري غير مدروسة جيداً بين عامي 1988 و2000 أفضت إلى محاصيل هزيلة. وعلاوة على ذلك، هي تواصل زراعة القطن والقمح في مناطق تفتقر إلى مياه كافية، ما يجعلها أكثر تأثراً بالجفاف.
هنا تجدر الإشارة إلى أن المساعدات الدولية لم تكن كافية. وأفاد تقرير الأمم المتحدة أن 34 في المئة فقط من مجمل الأموال المطلوبة تم تسليمها. وكان من تأثيرات ذلك اقتصار الحصص الغذائية التي قدمها برنامج الغذاء العالمي على 200 ألف شخص، من أصل 300 ألف أمل أن تشملهم عملية التوزيع في حزيران (يونيو)، وقدَّر المقرر الخاص للأمم المتحدة أن المساعدات تم تسييسها.
وكان انخفاض تدفقنهر الفرات موضوع شكاوى لسورية والعراق، خصوصاً مع إقامة تركيا مشاريع سدود ضخمة في أعالي النهر. وبما أن ذلك قد يولد توتراً في ظل تنامي أزمة المياه، تتوقع سورية مساعدة من تركيا التي دخلت معها مؤخراً في تحالف استراتيجي.
قال ممثل منظمة الأغذية والزراعة في دمشق عبدالله يحيى بن طاهر: "في البداية، كان النزوح موقتاً، لكن بعد ثلاث أو أربع سنوات، فإن هؤلاء الناس لن يعودوا". وينعكس تأكيده هذا في حديث خلف نجم، المزارع الذي انتقل إلى دمشق قبل سنتين، إذ قال عن قريته: "كما لو أنها دُمرت. نتمنى أن نعود إليها، لكن كيف؟ فلا يوجد ماء، ولا كهرباء، لا شيء".
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.