Thursday 25 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
نجيب صعب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في حديث خاص الى "البيئة والتنمية"  
تشرين الثاني - كانون الأول 1997 / عدد 9
 الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في حديث خاص الى "البيئة والتنمية"
يضع أسس فلسفة جديدة في الطبيعة والبيئة والتــراث والتنمـيـة والتـطـور
حبّذا لو يصبح الاهتمام بالطبيعة باباً الى التعاون العربي
الحياة المتكاملة تكون في كل مخلوقات الله، وعلى القادر الـــــموازنـة بين البيئــة والتنمية
 
منذ شهور وصلنا بالبريد اشتراك بخمس نسخ في مجلة "البيئة والتنمية". وقد جاء الاشتراك على قسيمة مأخوذة من عدد سابق للمجلة، مرفقاً بشيك قيمته مئة وخمسون دولاراً، وهو سعر الاشتراك العادي بخمس نسخ. وقد تنبهت دائرة الاشتراكات الى ان هذا الاشتراك العادي في ظاهره هو أهم تقدير تتلقاه المجلة. فقد كان لشخص كبير غير عادي، اذ جاء من الدائرة الخاصة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الامارات العربية المتحدة. وصادف أنه في يوم وصول هذا الاشتراك نزل الى الأسواق العدد السابع من المجلة الذي حوى في صفحاته الداخلية تحقيقاً عن جزيرة صير بني ياس، التي حوّلها الشيخ زايد أهم محمية طبيعية في المنطقة.
وبالبريد العادي بدأ إرسال أعداد المجلة الى الدائرة الخاصة، كأي اشتراك آخر. بعد أيام، جاءنا اتصال هاتفي من جهة فاجأنا وجودها، كما فاجأنا اتصالها السريع: "ادارة البيئة والحياة الفطرية في الدائرة الخاصة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان". فرئيس الدولة الفذ هذا، الذي يشترك مكتبه الخاص في أول مجلة بيئية عربية، بمبادرة عفوية وبلا طلب من أحد، وبلا ضجيج، جعل في دائرته الخاصة إدارة مختصة بالبيئة والحياة الفطرية. الرسالة على الخط الآخر من أبو ظبي كانت مباشرة وعفوية: "الشيوخ قرأوا مجلتكم ويرغبون في مقابلتكم".
هكذابدأت زيارتنا الى أبوظبي.وأقصى ما كنا نتوقعه هو السلام السريع على سمو الشيخ زايد. فمشاغل رئيس دولة في أهمية الامارات العربية المتحدة لن تسمح بأكثر من هذا. ومرة أخرى، فاجأنا هذا الرئيس الفذ. فقد وصل اهتمامه بالبيئة الى انه استقبلنا بعفوية وبلا تحضيرات واستعدادات نحو أكثر من ساعتين، وخصّنا بحديث من القلب عن البيئة والطبيعة والتطور والتراث ورفعة الانسان. وكان حوار مفتوح لم يسألنا قبله أحد عما نريد طرحه من أسئلة، لأنه لم تكن لدينا أسئلة جاهزة. فحين دخلنا المجلس لم نكن نعرف أن اللقاء سيتحول إلى حوار شيق، هو أجمل وأعمق ما قدمناه الى قراء"البيئة والتنمية"حتى اليوم.
في اللحظة الأولى لجلوسك مع هذا الرجل تشعر بتواضع العظماء، والصفاء، والعمق، والالمام بالتفاصيل، ومحبة الناس. هو يحب بلاده بلا حدود، ويعرفها شبراً شبراً. لا تفوته شاردة ولا واردة: "خذوهم الى الغابات. لا تنسوا غابة بينونة. وانتبهوا، لا تلحقوا الظباء بالسيارات لئلا تخيفوها".
حدثنا الشيخ زايد عن تخضير الامارات بشمول وتواضع. وحين قمنا بجولتنا للاطلاع على معالم النهضة البيئية على الطبيعة، وجدنا ان الانجازات تفوق بأضعاف ما قرأناه وسمعنا عنه. فالمساحات الخضراء التي تمتد عميقاً على جوانب الطرقات، والحدائق العامة، ليست للزينة الخارجية في المدن فقط، بل هي توغل مئات الكيلومترات في المناطق النائية. ومئات آلاف الهكتارات من الغابات المزروعة في الصحراء حتى تخوم الربع الخالي، شاهد على التخطيط الحكيم للأجيال المقبلة. لقد ورثت بعض الدول طبيعة خضراء فحوّلتها الى صحارى جرداء بفعل الممارسات الهمجية والاهمال، أما الامارات فقد صنعت الربوع الخضراء والغابات في رمال الصحراء.
ولم يفعل الشيخ زايد كل هذا طمعاً بالأرقام والاحصاءات. ذلك أن فلسفته الخاصة في التنمية تتجاوز الأرقام الجامدة الى نوعية الحياة. لقد خالف رأي الخبراء، قال سموّه لنا. لم يزرع الغابات من أجل الانتاج الرقمي، بل من أجل رفعة الانسان: "اذا كان الانسان عارياً بلا لباس، فهذا لا يسرّه. وكذلك الأرض....الانسان يحب أن يرى النبات الأخضر.... اذا رأى الأرض جرداء قاحلة لا يكون مسروراً.... صبح الأرض غالية عند الانسان عندما تدرّ عليه... تسرّه وتصبح تساوي حياته. يحبّها... كل محاولاتنا تهدف الى أن يصبح للوطن قيمة عند أهله... حين يرى منظراً يسرّ النفس ويسر الخاطر، من اشجار وطيور وماء، يرتاح ويستأنس".
لم نسمع من قبل أن حاكماً يزرع الغابات في الصحراء حتى يرتاح المواطن ويستأنس. ولا يكتفي سمو الشيخ الرئيس بهذا القدر، إذ يؤكد: "يجب أن تتوازن الطبيعة والخليقة من جديد... ولو ازدهرت معيشة الانسان ولم تتأمن معيشة الحيوان وسلامة الطبيعة، يكون هناك قلة انصاف... في البداية ركّزنا على رفعة الانسان وقدرته وعلمه وثقافته ومعيشته، ثم بدأنا الاهتمام بأمور أخرى مثل الحفاظ على الحياة البرية واكثار الأنواع المهددة بالانقراض... الحياة المتكاملة تكون في كل مخلوقات الله".
لقد وُصف الشيخ زايد بأنه قاهر الصحراء. نحن نعتقد أن اللقب اللائق بعمله هو عاشق الصحراء. فهو أراد أن يلبسها ثوباً يقيها من العري، لرفعة الانسان وتوازن الطبيعة. وهذا لا يقوى عليه غير الذي يتمتع بمحبة لا حدود لها لوطنه ومواطنيه. ففي رأينا، يبقى أبرز ما حققه سمو الشيخ الرئيس هو الشعور بالثقة والاعتزاز بالنفس والوطن الذي زرعه عمله وقدوته في المواطنين. الكلام في هذا الحوار هو درس في التنمية القائمة على المحبة، وليس التنمية القائمة على أرقام تسحق الناس في حين تدّعي العمل من أجلهم. وستبقى كثبان الرمال الشامخة أمام الغابات الشاسعة شاهداً صامتاً مدى الدهر على معجزة الصحراء.
نجيب صعب
 
صعب:نرغب يا صاحب السمو في معرفة آرائكم الشخصية في الطبيعة والتراث والبيئة والتنمية. فالأسس التي بنيتم عليها برامجكم لحماية الطبيعة واقامة التوازن بين التطور والاصالة أصبحت تشكل فلسفة عربية رائدة في التنمية القابلة للاستمرار.
الشيخ زايد: نحاول أن نقوم بعمل يسرّ كل انسان، المواطن والمقيم والزائر. نريدهم جميعاً أن يروا ما يسرّهم ويسمعوا عما يسرّهم. من طبيعة الانسان أنه يحب رؤية الأخضر. يريد أن يرى النبات الأخضر بعينه. إذا رأى الأرض جرداء قاحلة لا يكون مسروراً. هذه طبيعة البشر. فالانسان يعرف أن عيشه من الأرض، ولباسه من الأرض، وكسبه من الأرض. وهو يحب أن يراها خضراء منتجة. اذا كان الانسان عارياً بلا لباس، فهذا لا يسره، وعليه اذا توفرت الامكانيات أن يصلح حاله. تصبح الأرض غالية على الانسان عندما تدر عليه دخلاً. تسرّه وتصبح تساوي حياته. يحبّها. اذا كانت لا تعطيه دخلاً فهو لا يحبها، ويهاجر الى أرض أخرى تدر عليه ويستفيد منها. كل محاولاتنا تهدف الى ان يصبح للوطن قيمة عند أهله وزائريه. حين يرى منظراً يسر النفس ويسر الخاطر، من أشجار وطيور وماء، فهو يرتاح. وحتى لو لم يكن ملاّكاً، فهو يفرح ويستأنس إذ يرى الاهالي مسرورين وفرحانين، والأرض خضراء وخصبة. يفرح بهذا الذي يراه.
وراعي الوطن هو الذي يعرف أن هناك أرضاً ووطناً يستحق الجهد، ويستحق المحبة، ويستحق أن يقوم من اجله ويذود عنه، لانه ساعد المواطن وأراحه وأسعده ودرّ عليه ثماراً وأشجاراً وعقارات. أما الصحارى البعيدة عن الأرض المأهولة والمدن، فقد عملنا فيها للمواشي بما يكفيها ويزيد عليها من المراعي والأشجار، التي تجري فيها وتتظلل بها وتأكل منها، والمياه التي تشربها. والحمد لله، حصل هذا كله في المناطق المأهولة كما في الصحراء، التي تأمنت فيها وسائل البقاء للحيوانات المملوكة والحيوانات البرية، التي تعيش براحة الآن. حين يرى الانسان الحيوانات البرية الطليقة في الطبيعة يرتاح. يرى منها غرائب، ما سمع عنه وما لم يسمع. تجذبه ألوانها وأشكالها وخلقتها، فيرتاح، لان هذه طبيعة الانسان. أما من لا يتحلى بالانسانية فيقتلها.
توازن الطبيعة والخليقة
صعب: في الشعر العربي القديم نقرأ تاريخاً للبيئة والطبيعة. حيوانات ونباتات كثيرة وصفها الشعراء وكانت موجودة في الصحراء العربية، اختفت الآن. كما في قول امرئ القيس:
له أيطلا ظبيٍ وساقا نعامةٍ        وإرخاءُ سرحانٍ وتقريبُ تَتْفُلِ
في بيت الشعر هذا يشبّه الشاعر العربي القديم الفرس بصفات حيوانات عرفه:الظبي، النعامة، السرحان(الذئب)، والتتقل (ولد الثعلب) كثير منها اختفى وانقرض. في الماضي كان هناك توازن بين الناس والطبيعة. ما تقومون به سموّكم هو محاولة لاعادة هذا التوازن. فبناء على تجربتكم الرائدة، هل هناك تناقض بين التحديث والتطوير والحفاظ على الطبيعة؟
الشيخ زايد: لا. لا. لا. ليس هناك تناقض. يجب أن تتوازن الطبيعة والخليقة من جديد. الخليقة التي من الطبيعة ومن المخلوق. اذا توازنت اعتدل الميزان. واذا لم تتوازن وتنسجم فلن يعتدل الميزان. ولو ازدهرت معيشة الانسان ولم تتأمن معيشة الحيوان وسلامة الطبيعة، يكون هناك قلة انصاف. وعلى الانسان القادر أن يعمل شيئاً وافياً يحفظ حقوق الاثنين. يقول المتنبي:
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً        كنقص القادرين عن التمامِ
الذي يقدر أن يكمل ولم يكمل فهذا عار. أما من ليس قادراً فهو معذور. الانسان الذي أعطاه الله القدرة، فليكمل على ما يراه حسناً وما يرغب الناس ان يشاهدوه وينظروا اليه ويعيشوا معه. هذا واجب، لأن الحياة المتكاملة تكون في كل مخلوقات الله وليس فقط في البشر. هناك أناس يسمعون عن الأسد ولم يروه، فإذا رأوه فرحوا واعتبروا هذا أمراً عظيماً. كذلك الفيل. أوه! رأينا الأسد! رأينا الفيل! كذلك كل الحيوانات.
نحن عملنا ما نستطيع. في البداية ركّزنا على رفعة الانسان وقدرته وعلمه وثقافته ومعيشته. ثم بدأنا نهتم بأمور أخرى كانت أقل الحاحاً لرقي الانسان، لكنه يحتاج اليها، مثل الحفاظ على الحياة البرية واكثار الانواع المهددة بالانقراض. والحمدلله، وصلنا الى أشياء لم يفكر كثيرون أنها ستحصل، ونحن قانعون بها، وهي زادتنا طموحاً لأكثر منها.
المها يتكاثر في المحميات
صعب: نتابع جهدكم في حماية المها العربي، الذي عملتم على إكثاره وحمايته حتى وصل العدد في محمياتكم اليوم الى نحو ألف رأس. ولولا جهودكم في هذا المجال لكان هذا النوع انقرض. ونحن نعلم أنكم تطلقون الصقور في الطبيعة كل سنة. هل تعتزمون اطلاق المها وحمايتها في الطبيعة أيضاً؟
الشيخ زايد: هذا واجب. علينا أن نحميها في الطبيعة. وكلما تأنينا في رعايتها واكثارها وحرصنا في حمايتها، أصبح لدى الناس والقبائل قناعة في عدم صيدها والعبث بها. كثيرون الآن امتنعوا تلقائياً عن صيد الحيوانات التي نعمل على حفظها، وبدأت بعض الجهات الخاصة بحفظها وحمايتها أيضاً. ومع رغبتنا في إطلاق المها العربي في الطبيعة، علينا أن نتأكد من انها ستلقى الرعاية، فتكون هناك دوريات تحميها ولا تدع يداً تعبث بها.
صعب: كيف بدأ عملكم في حماية المها العربي؟
الشيخ زايد:كان المها موجوداً في الربع الخالي بين السعودية والامارات وعمان واليمن. الربع الخالي أرض قاحلة، إذا اجتازها رجل على ظهر جمل فقد لا يصل الى بئر ماء في عشرة أيام. بسبب السيارات أصبح الوصول الى تلك الأماكن أسهل. كان الجماعة هناك يريدون القبض عليها، فمنعناهم. والقبائل كانوا يقنصون (يصطادون) هناك، فقلنا لهم لا تقنصوا. ثم سمعنا أن بعض الدول تسمح بقتل المها والقبض عليها وشحن أعداد منها الى دول أخرى. هذه تصرفات مفزعة. وقد تم في ذلك الوقت نقل نحو خمسين رأساً من المها الى أميركا. نتيجة لهذه التصرفات، ومن أجل منع المها من الانقراض والحفاظ عليها، قررنا الحصول على أعداد منها إما بالقبض عليها وإما بشرائها. ومنذ عشرين سنة حصلنا على نحو عشرين رأساً، وبدأنا نعالجها ونربيها، وأخذت تتكاثر في محميات تحت المراقبة. ووفق شروط علمية دقيقة ومدروسة، سنطلق سنوياً أعداداً منها في الطبيعة مع تأمين المراقبة لها.
صعب: هل ترون حاجة الى تعاون اقليمي في المنطقة للحفاظ على الحياة البرية؟ فالحيوانات الطليقة لا تعترف بحدود.
الشيخ زايد: يا حبذا لو حصل تعاون اقليمي في هذا المجال. هذا زين.
البيئة ليست غرامة على الفقراء
صعب: هل تعتقدون سموّكم أن الدول الصناعية الغنية ملتزمة عن حق برعاية البيئة؟ يتكلمون في المؤتمرات عن تغيّر المناخ بسبب الغازات، ويتكلمون عن الملوثات، ويطالبون الدول الفقيرة باعتماد تكنولوجيات نظيفة لا تلوث بيئة العالم. ما مسؤولية الدول الصناعية التي لوثت العالم بصناعاتها خلال السنوات المئة الماضية في مساعدة الدول الفقيرة، مع العلم أن هذه الدول الصناعية غالباً ما تحنث بالتزاماتها، وآخرها ما وعدت به في قمة الأرض؟
الشيخ زايد: هذا أمر يحتاج الى تفكير ومناقشة. فالدول الصناعية التي لوثت بيئة العالم يجب أن تساعد الدول الفقيرة الى أبعد الحدود. الفقير الذي يشتري ثلاجة تطلق غازات تضر بالبيئة ويقال له اتركها واشتر أخرى أغلى ثمناً ولا تؤذي البيئة، كيف يشتري وليس عنده شيء؟ من يعطيه ثمنها؟ وليس هناك فقير أو اثنان في العالم. هناك مئات الملايين من الفقراء، لا يجوز أن توضع عليهم غرامة لا يمكنهم دفعها. والذي لا يعرف اذا كان سيحصل على رغيف يسد جوعه في صباح اليوم التالي، لا يمكن أن ننتظر منه التفكير في زرع شجرة لتثمر بعد خمس سنوات.
إن أكثر ما يضر بالبيئة هو المحروقات، من السفن والطائرات والسيارات وغيرها من وسائل النقل والمصانع. هذه تطلق ملوثات في الجو والماء والأرض وتحمل أضراراً للانسان والحيوان. الأسماك في البحر مثلاً، التي يعيش ناس على صيدها وآخرون على أكلها، تتلوث من النفط المتسرب من الناقلات أو الأوساخ المرمية من خزانات السفن. الناس يأكلون الأسماك ويمرضون. وأنواع من الأسماك تموت. هذا أمرع مفزع، وهو ضد البشر وضد الكائنات الأخرى. بعض الشركات والدول يغريها الربح السريع فتهمل العناية بما يحمي الطبيعة والانسان. يجب أن ينتبه الناس لهذا الأمر. ولكن أين البشر الذين ينقادون للحقائق؟ أين العدل والانصاف؟ هذا قليل اليوم.
صعب: كيف ترون سموكم تحديداً العلاقة بين التنمية والبيئة؟
الشيخ زايد: الانسان القادر عليه واجب الموازنة بين البيئة والتنمية واعطاء كل منهما حقه. هذا واجب على القادر. أما الفقير الذي لا يقدر فهو معذور. المسلم اذا كان مسافراً يقدر أن يجمع في الصلاة، وبدل أن يصوم يقدر أن يفطر حتى ينتهي السفر فيؤدي صومه.
صعب: يعملون في الغرب لفرض ضرائب مرتفعة جداً على استهلاك منتجات النفط، بحجة حماية البيئة. وهذا قد يؤدي الى استخدام مصادر أخرى للطاقة أكثر تلويثاً، مما يؤذي الدول المنتجة للنفط. هل تعتقدون سموّكم أنه اذا كانت النيّة الحقيقية من وراء ما يسمى"ضريبة الكربون" حماية البيئة، فمن الأولى تخصيص الجزء الكبير منها للدول المنتجة للنفط، بغية استعمالها في تطوير أساليب الانتاج بما لا يؤذي البيئة؟
الشيخ زايد: الدول الصناعية هي التي تستهلك البترول في المصانع بلا قيود فتلوث البيئة، وهي التي ترمي مخلفات السفن في البحر فتلوّثه. هل هم يملكون ما تحت الأرض ليضعوا ضريبة عليه؟ إذا كانت النيّات صادقة، فلتساعد هذه الدول من يعمل لحماية البيئة ويعتني بها.
المكتسَب الجيد يبقى
صعب: هل تحبّذون التوفيق بين الأساليب المعمارية الحديثة والأساليب المحلية التقليدية الملائمة للبيئة والطقس، خاصة خارج المدن؟ تطوير استعمالات جديدة للطين مثلاً، أو أساليب تقليدية للتهوئة والتبريد بلا مكيفات؟ وها نحن في مجلسكم الكريم هذا على شرفة ذات تهوئة طبيعية.
الشيخ زايد: نحن لسنا ضد التطور. المكتسَب الجيد يبقى ويجب أن نتبناه، والمكتسَب السيئ يُترك. نحن لا نريد أن نجرّ الناس الى الماضي. اذا هم أحبوا أن يتركوا عندهم أشياء مفيدة من الماضي فنحن نشجعهم. فمن لا يعرف ماضيه لن يعرف حاضره. أما اذا عرف المرء ماضيه فلا بد أن يعرف حاضره ويعرف ما يجب عليه أن يحسبه من حساب للمستقبل. وأما عن بيوت الطين، فهي ليست مرغوبة في أيامنا الحاضرة، لأنها لا تقاوم الأمطار. وطبيعة البشر التسابق على من سيكون منزله أحسن. لقد تربى الجيل الحاضر في بيوت واسعة مريحة. اذا أردنا أن نرجعهم الى بيوت من غزل وصوف، فلن نستطيع اقناعهم ولن يطيعوا. تصور حصاناً يرى الخضرة وهو مربوط. ترغمه على شيء وفي خاطره شيء آخر. المحافظة على الموروث الجيد وتطويره لا يلغي المكتسب الجيد.
 
صعب: ما قمتم به يا صاحب السمو لم يتوقف عند حماية البيئة والحفاظ على وضعها كما هو. لقد طورتم الطبيعة نفسها. ففي حين ورثت بعض الدول غابات طبيعية فحولتها الى صحارى بفعل الممارسات الخاطئة، ورثتم صحراء قاحلة فحولتموها الى غابات. وقد علمنا أن الغابات التي أمرتم بزرعها في الصحراء تتجاوز مساحتها ثلاثمئة ألف هكتار، فضلا عن الأحزمة الخضراء والحدائق العامة في المدن والمناطق المأهولة. ماذا عندكم من برامج وخطط جديدة لحماية الطبيعة وتطويرها؟
الشيخ زايد: ما قصدناه أولا أن نعتني برفعة الانسان وعلمه وثقافته، في وطن يشعر أنه يدر عليه، وليس فقط وطن يعيش فيه. وطن يكفيه ويرضيه فلا يضطر الى الهجرة الى أوطان أخرى يبحث فيها عن معيشته. قصدنا بناء وطن يرضى فيه الانسان ويرتاح، ويرى فيه ما يسره ويعلي شأنه. في القديم لم يكن من سبيل للرزق هنا سوى صيد اللؤلؤ، الذي كان يدوم ثلاثة أشهر فقط، ولا عمل آخر بقية السنة. ما وصلنا اليه اليوم لم يفكر فيه أحد، ولم نفكر فيه نحن على هذا المستوى الا بعدما باشرنا العمل والانتاج والمثابرة. وكلما وصلنا الى فائدة طمعنا بشيء يوصلنا الى فائدة أخرى. والحمدلله، كانت طموحاتنا على صواب، والآن نرى النتائج مما نعرفه من المواطنين والزائرين. من كان يملك الجمال سابقاً، يملك الآن الجمال والسيارات والمال والزراعة. الخير عميم. كلما وصلنا الى يُمن، طمحنا الى يُمن آخر. لم يكن عندنا يأس أبداً. كثير من الجيولوجيين والمهندسين قالوا لا تحفروا الآبار، لئلا تفتقروا الى الماء الذي تسقون به الزرع. لكن اهتماماتنا كانت مختلفة وطموحاتنا كبيرة. نحن نحتاج الى انتاج ما يغطي حاجة البشر ويجعلهم يتعلقون بالأرض. الشعب يريد معيشة. من لا يرى عيشة جميلة ماذا يعني له الوطن؟ المواطن خرج وشاهد العالم ورأى كيف يعيش الناس، فأردنا أن نفتح له الآفاق في وطنه. لم نصغ الى أولئك الخبراء ورحنا ننقّب. فحصلنا على المياه التي تغنينا وتغني من يأتي بعدنا. المياه أصبحت كثيرة، والمنتوجات كثيرة ومن كل نوع. فواكه وحمضيات ونخيل وخضار. ونموها في ازدياد. عندنا اليوم25مليون شجرة نخيل بعدما كانت لا تتجاوز ثلاثة ملايين. والخضار التي كنا نستوردها من الخارج صرنا نصدّرها. كان نحو ثلثي المواطنين عندنا من البدو الرحّل. فبدلا من دفعهم للانتقال الى المدن الحديثة، عملنا على أن ننقل اليهم أساليب الحياة العصرية حيث هم. أوصلنا اليهم الماء والغذاء والسيارات ومضخات لرفع المياه، كما بنينا المساكن والمراكز الصحية والمدارس. وزرعنا الغابات في الصحراء، حتى بلغت الأشجار تخوم الربع الخالي. وقد أدى انتشار الرقعة الخضراء الى تزايد أنواع الطيور التي تبقى فيها للتكاثر، مما يعني تغيير أنماط لهجرة الطيور استمرت آلاف السنين. وهناك الآن أكثر من ستين نوعاً من هذه الطيور تقيم في المنطقة. وتنتج تربة الصحراء حالياً114نوعاً من النباتات المختلفة. غير أن الانسان يبقى أساس أية عملية حضارية. فهو محور كل تقدم حقيقي مستمر. ومهما أقمنا من مبانٍ ومن جسور وزينات، فان كل ذلك يظل كياناً مادياً لا روح فيه. فروح كل ذلك الانسان، الانسان القادر بفكره والقادر بفنه وامكاناته على صيانة كل هذه المنشآت والتقدم بها والنمو معها.
صعب: هل ترون أن الاهتمام بالطبيعة والبيئة قد يكون أحد الأبواب الى عمل عربي مشترك، على الأقل في مجال الحفاظ على الطبيعة؟
الشيخ زايد: يا ليت. لا أدري لماذا همومنا وحواسنا لا تجرنا الى مصالحنا والى قوتنا والى نصرة أمتنا. لا أدري. نحن نستطيع أن نجعل الحياة سارّة. اذا طلع الانسان من بيته حزيناً أو غاضباً، ومشى في الشارع فرأى الناس يضحكون فرحانين ومسرورين، يتغير جوه من الحزن والغضب الى السرور. في وضعنا العربي، تكون مسروراً فتحزن. يا حبذا لو يصبح الاهتمام بالطبيعة باباً الى التعاون العربي. فالاهتمام بالطبيعة هو اهتمام بالحياة، حياة الانسان وحياة كل ما خلقه الله. اذا اجتاز الانسان الصحراء ولم يرَ حيواناً يمشي ولم يرَ شجراً وما يجب أن ينوجد بطبيعته في هذه الأرض أو الصحراء، فانه يستوحش. يرى الأرض موحشة، لا يربى عليها شيء ولا يمشي عليها شيء ولا ينبت فيها شيء. أعوذ بالله! هذه جهنم!ليس من عذر لعدم التآزر. وأرجو أن يعود العرب الى الالفة والتعاون رجوع الظامئ الى الماء.
 
كادر
لقطات
تخلل اللقاء مع الشيخ زايد كثير من التعليقات الجانبية العميقة والطريفة. فسموه لا تغيب عنه شاردة ولا واردة، ويبقى سيد الحوار لا تفوته أية ملاحظة
كَتَبَةُ الباطل
أشار رئيس التحرير في بداية الجلسة الى أن أكبر تقدير حصلت عليه مجلة "لبيئة والتنمية" كان الاشتراك الذي جاءها من الدائرة الخاصة للشيخ زايد منذ شهور، بلا طلب من المجلة، وبالسعر العادي لأي مواطن، وعلى قسيمة اشتراك عادية مأخوذة من العدد الرابع. فعلق الشيخ زايد:
"الانسان الذي يعمل عملكم يستأهل كل خير. والانسان الذي يكتب عن حقّ فمن حقه أن يتوفق مع أصدقاء وحتى مع الخالق عز وجل. لكن هناك كتبة يكتبون عن حق وعن باطل، على ذوقهم، ووفق ما يُطلب منهم أن يكتبوا، وليس دائماً عن حقائق. هؤلاء من الآثمين. يحصل لهم فائدة من الذي يريدهم أن يكتبوا هذا الشيء. يحصّلون الفلوس(وضحك ضحكة عميقة). ولكن الله غضب على الآثمين لأنهم يفترون".
المرأة الاماراتية والبيئة
"للمرأة الامارتية دور كبير في التنمية ورعاية البيئة. وهي ذات طموحات بعيدة في كل المجالات. ونحن نشجع هذا التقدم ونشجع طروحاتها الجيدة، وأيضاً نطرح عليها الأشياء التي ترغب هي في أن تتبناها. وأنتم ترون وتسمعون بالجمعيات النسائية عندنا. قابلوها واسألوا عن أوضاعها وتطلعاتها وطموحاتها وهل من حواجز تعيق تقدمها".
بيضة واحدة.... مسكين
قدم رئيس التحرير مجلّد المجلة والأعداد الأخيرة الى سمو الشيخ زايد. فطلب نظارات وأخذ يقلبها، فاستوقفته بعض المقاطع. قال معلقاً على صورة طيور: "هذه طيور النحام. يبيض الطائر بيضة واحدة في السنة. مسكين، بيضة واحدة. لذا يحتاج الى من يحافظ عليه. عندنا مجموعة منه في جزيرة صير بني ياس، تتكاثر تحت الرعاية".
المطلوب الصدق لا المجاملة
قال معلقاً على مقال نشرناه عن البيئة في الامارات في العدد الرابع:
"اذا كتبتم حسناً عما ترونه ويعجبكم، فهذا من الواجبات. أما اذا رأيتم نواقص، فواجبكم أيضاً أن تنبهونا. نحن بحاجة الى تنبيه. فالمطلوب الصدق لا التصديق، والمطلوب الصراحة وعدم المجاملة".
من يعرف الطبيعة يحبها
عن ملحق "البيئيون الصغار" في المجلة قال سموه:
"من المهم أن يتعرف الأولاد على الطبيعة. يرونها ويقرأون عنها ويتكلمون عنها. عندما تتعرف الى البيئة الطبيعية يزداد حبك لها".
مرتاحة وغير خائفة
قال الشيخ زايد معلقاً على قولنا اننا سنرسل مصوّراً متخصصاً بالطبيعة والحياة البرية لاعداد تحقيقات عن الحياة الفطرية في الامارات:
"من يصور الحيوانات يجب أن يحبّها. بعض المصورين يخيفونها كأنهم هاجمون عليها. ليأتِ المصوّر ويصوّر الحيوانات وهي مرتاحة وغير خائفة".
الصحراء شاهد دهري
أثناء قيامنا بجولة في منطقة الغابات، حرص سمو الشيخ زايد على توجيه المرافقين بالهاتف بعدم ملاحقة الظباء بالسيارات وإخافتها. وهو الذي يعرف بلده وصحراءها شبراً شبراً، أعطى تعليمات للمرافقين بأن تهبط الطائرة العمودية في مواقع محددة، لكي ننظر الى اتجاهات معينة، فنرى الغابات وسط الصحراء. وقرب كل مساحة مكسوة بالغابات بعض من الصحراء، التي أمر الشيخ زايد بابقائها هناك "شاهداً دهرياً على ما كانت عليه هذه الأراضي القاحلة"
وسألنا مرافقنا: كيف يعرف سمو الشيخ هذه المناطق النائية فيوجّهنا الى بقع محددة منها وكأنها حديقة منزله، فقال: "سموه عبر هذه الصحراء كلها حين كان يأتي الى المقناص (الصيد). هو يعرفها ويعرف سكانها ونباتها وحيوانها". (وفي رحلات الصيد هذه يتم صيد كميات محدودة من طيور الحبارى بواسطة الصقور. والحبارى يتم إكثارها أيضاً ضمن برامج تطوير الحياة الفطرية).
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.