Wednesday 24 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
"البيئة والتنمية" الدمار البيئي في حرب الكويت  
كانون الثاني - شباط/ ديسمبر - فبراير 1999 / عدد 16
 للحرب آثار سلبية لا تحصى على البيئة. ولئن كان بعضها، على شدّته، محدود الأجل، فبعضها يستمر طويلاً ويخلف أضراراً فادحة. ولا شك في أن احتلال العراق للكويت، الذي دام من 2آب (اغسطس) 1990حتى 26شباط (فبراير) 1991، وما رافقه من تدمير وسرقة ونهب وإشعال حرائق واستباحة حرمات وأسر وتعذيب وقتل، خلّف أضراراً بيئية هائلة على كل الأصعدة الطبيعية والاجتماعية. وجرّ هذا العمل أفظع كارثة انسانية وبيئية على المنطقة في العمليات العسكرية  المضادة التي تسبب بها، فأوقعت الدمار وهدرت الثروات الطبيعية والانسانية في المنطقة كلها وصولاً الى العراق.
اتّبع العراقيون سياسة »الأرض المحروقة« عشيّة انسحابهم القسري من الكويت. وفي 28شباط (فبراير) 1991، كانت النيران تشتعل في 613بئراً من آبار النفط، وتتدفق محتويات 76بئراً. كما دُمرت 99بئراً تدميراً كلياً، و285بئراً تدميراً جزئياً. وهذا يعني أن آثار العدوان شملت 1073بئراً نفطية. ولم يقتصر التخريب على الآبار، بل شمل الخزانات والمصافي ومراكز التجميع والتصدير. وتقع حقول النفط الى الشمال والجنوب من مدينة الكويت، على طول 90كيلومتراً من الشريط الساحلي المأهول. وأكبرها حقل البرقان الذي يضم المقوَع والأحمدي والبرقان.
ولحق أرصفة الشحن في الحقول الجنوبية تدمير شامل، فيما كان التدمير جزئياً في أرصفة الحقول الشمالية. ومعظم الخزانات التي لم تحترق كانت خالية لأن محتواها ضُخّ الى البحر أو الى الخندق الدفاعي الذي حفرته القوات العراقية على طول الحدود الكويتية ـ السعودية. وشُحنت كميات كبيرة من النفط المقطر الى العراق. وقُدرت كمية النفط المحروق في الخزانات والمصافي بتسعة ملايين برميل، عدا كميات النفط الهائلة المنسكبة بحراً وبرّاً.
تلوث الهواء
مع ارتفاع ألسنة اللهيب من النفط المحترق، كانت ترتفع ملوثات الهواء، وأخطرها على الاطلاق ثاني اوكسيد الكربون، مع اوكسيدات الكبريت وأوكسيدات النيتروجين. وبلغت كمية الدخان المتصاعد من الحرائق خمسة آلاف طن يومياً. وكان عرض سحابة الدخان يزيد باطّراد مع الابتعاد عن المصدر. وباستخدام صُوَر بالغة التعقيد، سَجّلت الطائرات 150كيلومتراً عرضاً للسحابة على مسافة 3000كيلومتر. وكان أثر السحابة بالغاً على المناخ في منطقة الخليج كلها، فتوشحت السماء بحجاب رمادي قاتم ضعفت معه الرؤية على مسافة 700كيلومتر من الكويت. وهطلت أمطار سوداء فوق البحرين والمملكة العربية السعودية وقطر وعُمان وإيران، ويقال انها ارتحلت حتى جبال هملايا. وسقطت على الكويت كميات من السخام غطّت المباني والزروع وأثّرت على الحيوانات.
وكان النفط المتسرّب يشتعل حول الآبار بشدّة، وتعلو سحب الدخان من تلك البرك، خصوصاً حول الآبار الجنوبية، الى ارتفاع 5000متر فوق سطح الأرض. وبما أن الرياح الشمالية الغربية هي الغالبة، كانت السحابة تسير عموماً في اتجاه الجنوب الشرقي.
الى الملوثات المذكورة، كان هناك مصدر تلوث آخر هو الجسيمات العالقة في الهواء. وقد رُكّبت أجهزة متنقلة لجمع عينات منها، أظهرت معدلات عالية نسبياً في المناطق المجاورة لحقل البرقان حيث كانت تشتعل معظم الآبار. فبلغ متوسط تركيز هذه المواد في منطقة الأحمدي 338ميكروغراماً في المتر المكعب، وفي منطقة الفحاحيل 310ميكروغرامات، بالمقارنة مع 250ميكروغراماً في المتر المكعب في منطقة السالمية على لسان الخليج البعيد عن أي مصدر مباشر للتلوث بالغبائر الناتجة عن النشاط البشري. وبيّنت نتائج التحليل الكيميائي ارتفاعاً في تركيز الألومنيوم والحديد والسلفات، مع وجود الفاناديوم والنيكل في كل العينات.
وأدى انتشار الدخان والجسيمات العالقة في الهواء الى الحد من قدرة الشمس على النفاذ. ولوحظ انخفاض كبير في مستوى أشعة الشمس الكلية والأشعة فوق البنفسجية مع ظهور السحابة. وهذا يؤدي الى انخفاض في درجة الحرارة ترافقه تأثيرات بيئية بعيدة المدى، مثل التأثير على الدورة الحياتية لبعض الكائنات البحرية، ومنها الشعاب المرجانية.
وما إن استعادت الدولة بعض قدراتها حتى أعطت الأولوية المطلقة لإطفاء الآبار، وهي المصدر الرئيسي لتلوث الهواء. وكان دمار القطاع النفطي شاملاً. وراح مكافحو الحرائق والمسؤولون عن تنظيف مناطق الآبار يعملون في غياب أي خرائط جغرافية أو رسوم جيولوجية أو تصاميم هندسية. ولم يستطيعوا، طوال شهرين، أن يفيدوا من الصور الجوية بسبب كثافة الدخان. وكانت الملاحظات من سطح الأرض مستحيلة لما أصاب شبكة الطرق من دمار ولانتشار برك النفط في كل مكان. يضاف الى هذه المعوقات وجود الذخائر والألغام التي لم تنفجر.
أخيراً، كان هناك 28فرقة مختصة بمكافحة النيران، بلغ عدد أفرادها عشرة آلاف إطفائي، يقابلهم عدد مماثل من الاداريين والمساعدين في الكويت وحول العالم.
وتم الحصول على المياه اللازمة لمكافحة الحرائق من الخليج العربي الذي يبعد عشرة كيلومترات عن حقل البرقان، باستخدام أنابيب تصدير النفط والغاز لضخ المياه الى الحقول حيث جُمعت في برَك حُفرت لهذه الغاية. وفي الحقول الشمالية والغربية البعيدة عن الخليج، حُفرت الآبار لتأمين المياه، وصولاً الى المياه الجوفية على عمق يراوح بين 300متر و500متر.
وإضافةً الى الماء، استُتُخدم النيتروجين السائل والطمي والاسمنت لإطفاء الحرائق. وكانت تلي عمليةَ الاطفاء إعادةُ تأهيل البئر للانتاج. وهذا يقتضي أحياناً كثيرة إعادة حفر البئر. وتمكنت الفرق من تأهيل ثلاث آبار اسبوعياً كمعدل وسطي. وليس هناك نظام ثابت لإطفاء حرائق الآبار بسبب اختلاف كل بئر عن الأخرى وما يحيط بكل بئر من ألغام ومتفجرات.
وبعدما أجمعت التوقعات على تدهور نوعية الهواء في مدينة الكويت، لم يرتفع مستوى الملوثات الأساسية داخل المناطق السكنية في أي وقت الى الحد الذي يستوجب اطلاق الانذار الصحي. وكان متوقعاً أن يكون شهر كانون الأول (ديسمبر) 1991أسوأ الشهور من ناحية تلوث الهواء. لكن الآبار كلها أُطفئت مع حلول تشرين الثاني (نوفمبر)، ورُفعت أخطار كثيرة عن البيئة والصحة العامة.
وكانت الأجهزة المسؤولة طلبت الى وزارة النفط أخذ الاعتبارات البيئية في برامج مكافحة الحرائق، والتعامل بالسرعة الممكنة مع برك النفط لتخفيف التلوث بالمواد الهيدروكربونية. كما طُلب الى المستشفيات والمراكز العلاجية تأمين غرف خالية من الملوثات، مع تعزيز خدمات الطوارئ. وأُعدت قوائم علمية للجهاز الطبي ومراكز الرعاية الأولية والصحة المدرسية حول أخطار التعرض للملوثات وسبل الاسعاف. ونُظم برنامج إعلامي واسع النطاق للتوعية الصحية.
وسَجّلت الاصابات الصدرية، خصوصاً في المناطق القريبة من الآبار، نسبة 29في المئة من المراجَعات، وهي النسبة الأعلى، تليها حالات الربو الشعَبي التي بلغت نسبتها 6في المئة. وكانت حالات القصور التاجي (12في المئة من المراجَعات) أدنى منها عام 1986. وزادت أمراض الجهاز الهضمي قليلاً، وكذلك أمراض العين والأنف والحلق. أما الأعراض الأكثر انتشاراً فكانت الأزيز الصدري وضيق التنفس. ووُجد ارتباط بينها وبين تركيز اوكسيدات النيتروجين في الهواء، وكذلك بينها وبين تركيز الأتربة القابلة للتنشق. وتم تنظيم دراسة طولية تشمل معدلات الاصابة بالربو الشعَبي والتهابات الشعَب الهوائية المزمنة وحالات القلب، للتعرف على التأثيرات الطويلة المدى. كما تم تنظيم دراسة لقياس التعرض للجسيمات العالقة في الهواء.
من ناحية الصحة النفسية والاجتماعية، عانى المواطنون كثيراً من جراء ضغوط الاحتلال والأسر والهجرة الاضطرارية. وتولّى باحثون من مستشفى الأمراض النفسية والعصبية دراسة التأثيرات النفسية لأسرى الحرب وضحايا التعذيب. ووُجدت بين الأسرى أعراض اكتئاب في 69في المئة من الحالات، وعدم قدرة على التركيز (39في المئة)، ورجفة (39في المئة)، وعصبية مرتفعة (34في المئة)، وقلق (24في المئة)، وكابوس (21في المئة)، وانسحاب من المجتمع (9في المئة). وبلغ عدد أسرى الحرب المعترف بهم 3375أسيراً من الذكور، بقي 1701منهم ما يزيد على ستة أشهر في الأسر، وكان 33أسيراً دون الثانية عشرة.
البيئة البحرية
الخليج العربي يشبه بحيرة مغلقة، طولها ألف كيلومتر وعرضها 300كيلومتر ومتوسط عمقها 35متراً. ويؤدي انغلاقه وضعف التبادل بينه وبين المحيط الهندي الى ضعف قدرته على التخلص من الملوثات التي يرتفع مستواها بالتدريج في حال وجودها. لذلك كان من النظُم الايكولوجية الأشد حساسية لتأثير الملوثات.
وقد تعرض الخليج لأكبر حادث تلوث بالزيت في التاريخ الحديث. وبدأت الكارثة في 19كانون الثاني (يناير) 1991عندما ضخ العراقيون 500ألف طن نفطاً من خمس ناقلات راسية أمام ميناء الأحمدي. وبعد 11يوماً بلغت مساحة بقعة الزيت 75× 25كيلومتراً، وراحت تمتد الى الجنوب الشرقي حتى المياه الاقليمية السعودية، من غير أن تصل الى الساحل. وتضررت منها على وجه الخصوص الطيور البحرية التي تتغذى بالأسماك، ونفقت بعشرات الآلاف. ومع تبخر مواد طيّارة كثيرة، تَحوّل النفط الى كرات زفت ذات لون بنّنّي.
واستمر مسلسل التلوث البحري بين 20و26كانون الثاني (يناير) مع فتح صمامات تصدير النفط في الجزيرة الصناعية على بعد 12كيلومتراً من الشاطئ قبالة ميناء الأحمدي. وقُدرت الكمية المتسربة بمئات آلاف الأطنان.
ووقع حادث التلوث البحري الثالث يوم 30كانون الثاني (يناير) مع تدفق النفط الخام بكميات كبيرة من مَرافق التصدير في ميناء البكر في العراق.
تضاف الى هذه الحوادث حالات أقل خطراً، تسرب فيها النفط من المصافي على ساحل الكويت، ومن منطقة البصرة عند مدخل شط العرب، ومن الخنادق التي حفرها العراقيون للدفاع، ومن ناقلات جنحت عند الشمال الشرقي من جزيرة بوبيان الكويتية.
وقُدرت الكمية الاجمالية للنفط الذي وصل الى مياه الخليج بخمسة ملايين برميل. ومما يفاقم تأثير البقع النفطية هناك الملوحة المرتفعة التي تبقي الزيت طافياً لفتراتٍ أطول من المعتاد. والنظُم الايكولوجية الحرجة في الخليج هي: مسطحات الطمي، الشعاب المرجانية، الأعشاب البحرية، غابات المنغروف.
المنطقة التي تأثرت مباشَرة بتدفق الزيت تقوم على امتداد 750كيلومتراً من ميناء الأحمدي الى قطر، مروراً بخليج البحرين. ومن مواقعها جزيرتا قاروة وكبر الكويتيتان الشهيرتان بنوعيّة شعابهما المرجانية وشواطئهما الرملية المستخدمة لتوالُد السلاحف البحرية. وفي جنوب الكويت مناطق الخوران وخور النقي التي تجتذب الطيور البحرية والطيور المهاجرة من اوروبا وشمال آسيا. وقد أُعلنت هذه المناطق كلها محميّات طبيعية.
ولحق التلوث عدداً من الجزر السعودية، مثل قاران وجانا والجريد، وهي مَواطن لتوالُد السلاحف والطيور البحرية. ومع بداية أيّار (مايو) كان كل الشاطئ السعودي الممتد على الخليج من حدود الكويت حتى منطقة الجبيل متأثراً بالبقعة النفطية الى حد أو آخر حسب الموقع. وبات معظم النفط المترسب على الشواطئ يكوّن طبقة جافة من المواد القطرانية في مناطق المدّ.
وشلّ التلوث البحري عمليات صيد السمك والروبيان (القريدس). وأدّت كرات الزفت الى تلف شباك الصيد. وتلوثت كميات من الأسماك تبلغ عشرة آلاف طن تم إتلافها. ومعلوم أن الصيد البحري مهم جداً في الكويت، إذ يعتمد العديد من الكويتيين على تجارة الأسماك لمعيشتهم. وقد بلغ إنتاج الكويت السنوي من السمك نحو ستة آلاف طن قبيل الحرب. لكن هذه الصناعة عانت دماراً شاملاً من جراء الاحتلال، إذ فَقدت اسطولها المخصص لصيد الروبيان والسمك، الذي نُهبت قواربه ومعدّاته أو أُغرقت. ومع العودة كان 60في المئة من خبراء الصيد منقطعين عن العمل، مما استلزم إعادة بناء الطاقم البشري. وظلت القوارب الجديدة طويلاً بلا عمل خشية الألغام البحرية التي تجتذبها هياكل القوارب المصنوعة من الصلب.
ومع شهر أيلول (سبتمبر) 1991أُعيد برنامج الرقابة على نوعية المياه الساحلية. ولوحظ الارتفاع في تركيز الفوسفات والنيترات والمواد الصلبة العالقة في الماء، خصوصاً داخل جون الكويت المغلق. كما لوحظ ارتفاع المعادن الثقيلة من نحاس وحديد ورصاص بالمقارنة مع العام 1989. ويتميز الجانب الغربي من الخليج بضحالته. وقد غرقت فيه سفن كثيرة بسبب الاحتلال، إضافةً الى السفن الغارقة خلال الحرب العراقية ـ الايرانية. وسوف تعمل هذه السفن كمصادر مزمنة للتلوث بالمواد النفطية والمعادن. وقد تكون حمولة السفن الغارقة مصدراً للتلوث يفوق بدن السفينة. ويبقى خطر التلوث كبيراً على الأسماك والحيوانات والنباتات البحرية.
إلا أن التلوث البحري لم يقتصر على النفط. فقد دَمّر العراقيون كل محطات تكرير المياه المبتذَلة، وتضررت شبكة المجاري خلال فترة الاحتلال بسبب نقص الصيانة وسوء الاستعمال. وكانت تسهيلات الصرف الصحي ممتازة قبل الاحتلال، وقد أُنجز في منطقة الصلَيبيّة مركز للمراقبة فاقت كلفته 60مليون دولار. لكن معظم تجهيزاته فُككت ونُهبت، وبعضها دُمر.
هكذا باتت المياه المبتذلة، في أعقاب عودة الدولة، تُضَخّ الى الخليج من دون معالجة. وتم تسجيل مستويات مرتفعة من الجراثيم القولونيّة والجراثيم السبحية البرازية حتى مئات الأمتار من الشاطئ. وشكّل صرف هذه المياه عائقاً طويل الأجل دون ارتياد الشواطئ، علماً أن السباحة هي التسلية المفضلة لدى الأحداث الكويتيين.
أما مياه الشرب فلم يتدهور وضعها، ولم ترتفع التركيزات النفطية وغير النفطية فيها عما كانت عليه قبل 1990. والسبب أن 85في المئة من مياه الشرب في الكويت تأتي من عمليات التحلية. وهناك الآبار القليلة الملوحة التي يذهب معظم مائها الى الريّ والصناعة وسقي الماشية بعد المعالجة.
وفي الكويت أربع محطّات لتحلية مياه البحر. وبعد التحلية تعالَج المياه بالمواد الكيميائية اللازمة وتُضَخ الى خزانات. ومن هناك توزع في شبكات يبلغ طولها ألف كيلومتر. وكانت تقوم في منطقة ميناء عبدالله محطة جديدة للضخ بكلفة 40مليون دولار. هذه المحطة الرئيسية عانت أكبر دمار، إضافةً الى محطة التحلية في الشويخ. المراكز الباقية كانت خسائرها محدودة، وتم إصلاحها في وقت قصير نسبياً. واستطاعت وزارة الكهرباء والماء إنتاج المياه بالجودة السابقة.
التربة والزراعة
النفط الذي تدفق من الآبار ولم يشتعل كون بركاً كبيرة داخل الحقول، بلغ محتواها نحو 30مليون برميل. وحفر العراقيون خنادق دفاعية ضخّوا إليها النفط الخام. كما تسرب النفط من الآبار خلال عمليات إطفائها.
هذا كله أدى الى تلف كبير للتربة التي تأثرت أيضاً بحركة الآليات العسكرية ومعدّات فرق إطفاء الآبار. وصارت التربة المتفتتة عرضة لحركة الرياح والمياه. وانجرفت التربة السطحية وانهارت قدرة الأرض على إعالة النبات.
كما أصاب النباتَ تلف من جراء تساقط القطران وذرات الدخان وقطرات النفط غير المحترق، فضلاً عن انغماس الجذور في برك النفط. ويؤدي التلوث بالنفط الى إضعاف قدرة النبات على النمو والانتاج. وقد ماتت نباتات كثيرة حول الآبار المحترقة. ونفقت أعداد من الحيوانات اختناقاً.
وفي خمسة حقول رئيسية، هي حقول البرقان والمقوَع والأحمدي والروضتين والصابرية، كان هناك 99بركة نفط تغطي مساحة 25كيلومتراً مربعاً. وراوح عمق البرك بين 0,3و0,5متر. ونفذ النفط حتى 25سنتيمتراً الى التربة في قاع البحيرات بعد تبخر كل مكوناته الخفيفة بسبب تعرضه للعوامل الجوية. وكان النفط يُنزَح من البرك باستخدام الصهاريج، ويُنقَل الى بركة واحدة كبيرة. وبعد ذلك تجري معالجة التربة الملوثة في قاع البرك.
وزادت عمليات الاطفاء في تدهور التربة، إذ أُعدّت 361بركة ماء للمساعدة في إخماد حرائق الآبار. وبلغ مجموع الماء في هذه البرك 25مليون غالون، أي ما يكفي لتغطية دولة الكويت كلها بطبقة ماء سماكتها 12مليمتراً. ومع تبخر الماء كانت ترتفع ملوحة التربة في منطقة تكاد أمطارها تنعدم. وسببت الملوحة تدهوراً للنباتات البرية.
وبلغت التأثيرات السلبية ذروتها بالنسبة الى النظام الايكولوجي الصحراوي الهشّ. ومن هذه التأثيرات ارتفاع امتصاص التربة للحرارة، خصوصاً في شهور الصيف القائظة، وضعف نفاذ الهواء الى التربة لانسداد مسامها بفعل تساقط المواد النفطية عليها.
كانت الزراعة في الكويت محدودة على الدوام، تبعاً لعوامل مثل حركة الرياح التي تؤثر سلباً على نمو المحاصيل، ومياه الري التي تؤدي الى تراكم الملح في التربة مع الوقت. وفي العام 1966أجرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للامم المتحدة دراسة أظهرت أن 200ألف هكتار من أرض الكويت صالحة للزراعة المرويّة. ومنذ ذلك الحين بذلت دولة الكويت جهوداً حثيثة للنهوض الزراعي بهدف الوصول الى الاكتفاء الذاتي في إنتاج الخضار. ويَسرت للمزارعين قروضاً بلا فائدة أو بفوائد متدنّية. وبلغت مساحة الأرض المزروعة 150ألف هكتار عام 1983. وفي العام 1987كانت هناك 520مزرعة في منطقتي العبدلي في الشمال الشرقي والوَفرة في الجنوب. وشهدت الثمانينات ارتفاعاً هائلاً في عدد الخيم الزراعية التي سجلت عام 1986إنتاج 32,300طن من الخيار والطماطم والبصل والبطيخ والتمر وسواها. وصار الكويت يصدّر بعض الخضار الى البلدان المجاورة.
إضافةً الى تلوث التربة، كان للعمليات الحربية أثر سلبي على النشاط الزراعي. واضطر المزارعون الى النزوح خارج البلاد بعدما احتلّت القوات العراقية المناطق الزراعية نظراً الى موقعها الجغرافي قرب الحدود السعودية. ونهب المحتلّون كل ما تحويه المزارع المهجورة. وزاد في تدهور التربة تنقل الآليات العسكرية بكثافة فوقها وزرع الألغام فيها وانعدام الري طوال فترة الاحتلال. وانتشرت الطفيليات والآفات الزراعية، وظهرت أنواع من الحشرات كانت محدودة الانتشار. ولم يبقَ ناتئاً فوق الأرض سوى النباتات القادرة على المقاوَمة. وفي الخيم البلاستيكية يبست الزروع من عدم الري.
أما تربية الماشية فكانت النشاط الاقتصادي الأهم في البادية الكويتية قبل عهد النفط. وفي السنوات السابقة للاحتلال بذلت الحكومة جهوداً كبيرة لتعزيز هذا القطاع. وفي العام 1988كان في الكويت 26ألف رأس بقر، و20ألف رأس ماعز، و300ألف خروف، و28مليون فرخ دجاج، فضلاً عن 8000جمل يملكها البدو. وارتفع عدد الأبقار كثيراً قبيل الاحتلال، ومعه ارتفع إنتاج الحليب من تسعة آلاف طن عام 1980الى خمسين ألفاً عام 1985، مع تخطيط للحصول على 110آلاف طن عام 1992.  وفي نهاية الثمانينات بلغ إنتاج الدجاج 477مليون بيضة سنوياً. وكانت الحكومة قد خصصت مساحات للمواشي بهدف الاكتفاء الذاتي في إنتاج اللحوم، بلغت 287منطقة للبقر و1325منطقة للغنم و598منطقة للماعز عام 1987.
وكان للاحتلال أثر سلبي على الحيوانات. وقد عمد بعض المزارعين الذين لم يغادروا الكويت الى حماية رؤوس الماشية في منازلهم. وذُبحت رؤوس كثيرة لأكلها خلال الحصار. ونفقت أعداد كبيرة، بينها عجول حديثة الولادة، من جراء ظروف الاحتلال. ولفترة طويلة بعد عودة الدولة، تعرض الكثير من رؤوس الماشية لأخطار برك النفط والألغام وتلوث التربة والنبات.
وكان للعمليات العسكرية وما رافقها من استخدام مكثف للذخائر والمتفجرات والألغام والخنادق والحفَر أثر كبير على الحيوانات البرية في صحراء الكويت. ووُجدت أرتال من القوارض والطيور والحشرات النافقة بالقرب من برك النفط. واختفت كل أنواع الحياة من مناطق الحقول المشتعلة.
المخلفات الخطرة والنفايات
أظهرت الدراسات أن المنشآت الصناعية الكبيرة داخل منطقة الشعَيبة ـ وهي مختصة بصناعة الأسمدة والمصافي النفطية ـ لم يلحقها أذى بالغ. وظلت الحاويات التي تُحفظ فيها المواد الكيميائية الخطرة كالأحماض والمحفزات سليمة.
إلا أن الصناعات المتوسطة والصغيرة في مناطق الشعَيبة الوسطى وغرب ميناء عبدالله تضررت كثيراً. ونُهبت محتويات بعض المصانع وأُضرمت النار في عدد منها. وأُسيء تداول بعض المواد الخام وأُفرغت من حاوياتها وتبعثرت بصورة عشوائية في الساحات وعلى أرصفة المصانع. ونفذت بعض السوائل والمواد الكيميائية القابلة للذوبان من خلال التربة لتُتُلوثها وتتسرب الى المياه السطحية وشبكة الصرف الصناعي ومجاري الأمطار، وتنتهي الى تلويث المنطقة الساحلية. وتعرضت للدمار أعداد من البراميل التي تخزَن فيها المواد الحفّازة جنوب منطقة ميناء عبدالله الصناعية، وغطّت الرمال أجزاء من المنطقة. وتمثل هذه المواد خطراً على الصحة العامة وعلى الحيوانات، إذ تتطاير المواد الحفازة مع الرياح الى مسافات بعيدة، أو يتساقط عليها المطر فتلوث التربة. وظل الاقتراب من المنطقة محظراً لأنها كانت مزروعة ألغاماً.
الى هذه الأخطار، كانت هناك كميات كبيرة من مخلفات الآليات العسكرية المحطمة والذخائر التي لم تنفجر، وبينها القنابل العنقودية التي خلّفتها الجيوش الحليفة في مساحات كبيرة من الصحراء وحقول النفط وداخل المناطق السكنية.
وتولّدت عن الألغام المضادة للدبابات والأفراد مشكلة كبيرة طويلة الأمد. وليس ثمة ضمان بأنه أمكن التعرف على مناطق الألغام كلها، أو أن الأماكن المطهرة أصبحت آمنة تماماً. وقد بُثت الألغام بنوع خاص على الشواطئ. واستُخرج 11ألف لغم مضاد للأفراد من الواجهة البحرية في منطقة لا يتجاوز طولها ثمانية كيلومترات. وأودت الألغام بحياة عدد كبير من الجنود الذين كانوا يعملون على تطهير المواقع. وبين آذار (مارس) وحزيران (يونيو) 1991استقبلت المستشفيات 1275مصاباً بالألغام، جلّهم من الذكور. وقد بلغت نسبة الأطفال بينهم 27في المئة.
أما النفايات المنزلية فلم تصدر بيانات عن حجمها. لكنه كان ضخماً بعد نهب التجهيزات الخاصة بالتخلص من النفايات الصلبة. وبات موقع رمي النفايات في منطقة العباسية يهدد الصحة والسلامة العامة. وتم تخصيص ثلاثة مواقع كبيرة لنقل القمامة والمخلفات المتراكمة حول المناطق السكنية والصناعية خلال الاحتلال. وكان التخلص منها يتم بحرقها، ثم يغطّى الموقع بطبقة رقيقة من الرمل.
ما تقدم كان وصفاً لأهم ما تعرضت له البيئة في الكويت ومنطقة الخليج من جراء الاحتلال العراقي وما تلاه من اعتداءات وعمليات عسكرية. أبرياء كثيرون قضوا، وكثيرون عانوا العذاب. ثلثا الكويتيين على الأقل غادروا البلد خلال فترة الاحتلال، ونحو مليون عامل أجنبي كانوا يشغّلون قطاع الخدمات أُرغموا على ترك وظائفهم والعودة الى بلدانهم. البنية التحتيّة دُمّرت ونُهب الكثير من المعدّات والتجهيزات في مرافق الدولة والمطار والجامعات والمدارس والصناعات ومختلف المؤسسات.
مراكز الأبحاث التي بُنيت طوال عشرين سنة وكانت بمثابة بنوك معلومات في كل مجال مُحيت كلياً. فنادق الكويت التسعة الرئيسية لحقها دمار كبير تفجيراً وحرقاً ونهباً.
لكن من الوجهتين الاقتصادية والبيئية، كان الأذى الأكبر ذاك الذي أصاب صناعة النفط عبر تدمير المصافي والأنابيب والخزانات، وخصوصاً حرق ما يزيد على 600بئر. أخطر مشكلة بيئية نشأت في حقول النفط. والكثير من الآبار التي لم تحترق سَربت عشرات آلاف البراميل يومياً، محولةً الصحراء الى بحيرات وأنهار نفطية. وهذا حدثٌ لا مثيل له في التاريخ كله.
وكانت سحب الدخان المرتفعة من الحرائق تحجب الشمس، فتجعل نهار الكويت ليلاً، مع انخفاض قياسي في درجات الحرارة، له مخلفات بيئية سلبية. وامتدت السحب الى بلدان أخرى في الخليج، وارتحل النفط في المياه الاقليمية من بلد الى آخر. وقُدرت التكاليف الأولية لإعادة تأهيل البيئة في المنطقة بمليار و200مليون دولار.
هذا الأذى الذي لحق بالبيئة والحياة في الكويت ستبقى آثاره طوال أجيال. والمشكلة البيئية الرئيسية التي ستواجه الكويت سنين طويلة هي الذخائر والألغام غير المنفجرة. وهذا سيؤثر على وجه الخصوص في حياة سكان الصحراء والمتنقلين على حدود البادية.
أمام هذا الخراب الشامل، وقف استاذ جامعي كويتي معلقاً: "لقد خسرنا كل شيء. ولم يبقَ لدينا غير ما هو مخزون في أدمغتنا".
وبقدر ما كان غزو الكويت مدمراً للبيئة، لم تكن العمليات العسكرية التي تبعته واستمرت بأساليب متعددة حتى اليوم أكثر رأفة بها. فالحروب العبثية غالباً ما تدمر الضحية والجلاد معاً.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.