Friday 19 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
محمد عبدالفتاح القصاص أبعد من جوهانسبورغ  
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2002 / عدد 52-53
 بين عام 1972 وعام 2002 تستكمل الأمم المتحدة عقد سلسة من ثلاثة مؤتمرات دولية ذات أهمية خاصة. الأول عقد في استوكهولم (السويد) عام 1972 تحت اسم "مؤتمر الأمم المتحدة عن بيئة الانسان"، والثاني عقد في ريو دي جانيرو (البرازيل) عام 1992 تحت اسم "مؤتمر الأمم المتحدة عن البيئة والتنمية"، والثالث يعقد في جوهانسبورغ (جنوب افريقيا) في آب ـ أيلول (اغسطس ـ سبتمبر) 2002 تحت اسم "مؤتمر الأمم المتحدة عن التنمية المستدامة". تغير الأسماء يعبر عن تطور مفاهيم العالم واستيعاب العلاقة بين الانسان والمحيط الحيوي الذي يعيش فيه ويمارس نشاطات الحياة.
عقدت الأمم المتحدة المؤتمر الأول استجابة لشكاوى دول الشمال الاوروبي من تدهور بيئات البحيرات والخوف من أثر ذلك على صحة الانسان وسلامته. كانت قضايا تلوث البيئة أبرز الأمور على جدول أعمال المؤتمر، ولكن دولاً عديدة من أقاليم العالم الثالث أقبلت عل المؤتمر بخطى متثاقلة، وقالت وفودها أن لو كان التلوث البيئي ثمناً للتنمية ولوصول المجتمعات الى ما وصلت اليه الدول الصناعية من نماء وثراء ورفاهية، فمرحباً بذلك.
عقد المؤتمر الثاني بعد عشرين سنة سمع فيها العالم صيحات عديدة. ففي العام 1972 أصدر نادي روما تقريره الفريد "حدود النمو" الذي شرح فكرة محدودية الموارد الطبيعية، وأنه اذا استمر تزايد معدلات الاستهلاك فان الموارد الطبيعية لن تفي باحتياجات المستقبل، وأن استنزاف الموارد البيئية المتجددة (المزارع، المراعي، الغابات، مصايد الاسماك...) والموارد غير المتجددة (رواسب المعادن، حقول النفط والغاز الطبيعي، طبقات الفحم...) يهدد المستقبل. وفي العام 1973 هزت أزمة البترول العالم ونبهت الى أن الموارد البيئية محدودة الحجم. وفي 1980 صدرت وثيقة "الاستراتيجية العالمية للصون" عن مجموعة من المؤسسات العالمية ذات الوزن، وهي الاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعية، والصندوق العالمي لصون الحياة البرية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. نبهت هذه الوثيقة الاذهان الى أهمية تحقيق التوازن بين ما يحصده الانسان من موارد البيئة وقدرة النظم البيئية على العطاء (طاقة الحمل). وفي 1987 أصدرت اللجنة العالمية للتنمية والبيئة، التي شكلتها الأمم المتحدة برئاسة السيدة غرو برونتلاند (رئيسة وزراء النروج سابقاً ورئيسة منظمة الصحة العالمية حالياً) تقرير "مستقبلنا المشترك". كانت رسالة هذا التقرير الهام الدعوة الى أن تراعي تنمية الموارد البيئية تلبية الحاجات المشروعة للناس في حاضرهم من دون الاخلال بقدرة النظم البيئية على العطاء الموصول لتلبية حاجات الاجيال المستقبلية من الابناء والاحفاد.
في الفترة بين 1972 و1992 عقدت الأمم المتحدة سلسلة من المؤتمرات الحافلة تناولت قضايا قطاعية، مثل السكان والغذاء وخلل السكن والمياه والتصحر وغيرها. ولما انعقد مؤتمر الأمم المتحدة عن البيئة والتنمية عام 1992، برزت فكرة التنمية المتواصلة (المستدامة) كواحدة من قواعد العمل الوطني والعالمي. ووضع المؤتمر وثيقة مفصلة (برنامج العمل في القرن الحادي والعشرين: أجندة 21) تضمنت أربعين فصلاً تناولت ما ينبغي الاسترشاد به في مجالات التنمية الاقتصادية (الزراعة، الصناعة، الموارد الطبيعية) والتنمية الاجتماعية (الصحة، التعليم)، وفي مشاركة قطاعات المجتمع في مساعي التنمية وفي الحصول على نصيب عادل من ثمارها. كذلك أصدر المؤتمر اعلاناً بالمبادئ التي ينبغي أن يسترشد بها الجهد الوطني والعالمي، وأقر اتفاقيتين دوليتين لحشد الجهد العالمي للتصدي لقضية تغير المناخ وقضية فقد التنوع الاحيائي.
ينعقد مؤتمر الأمم المتحدة عن التنمية المستدامة سنة 2002، عشر سنوات بعد ريو دي جانيرو، ليراجع حصيلة استجابة العالم لفكرة التنمية المتواصلة. والمأمول أن ينعقد المؤتمر على مستوى القمة، أي على أعلى المستوى السياسي. وأخشى أن تكون أحداث السنتين الاوليين من القرن الحادي والعشرين، ومنها أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 وما تبعها من حروب في أفغانستان وتخومها، وأحداث فلسطين الدامية وتداعياتها في منطقة الشرق الأوسط جميعاً، شواغل تمنع الاهتمام الكافي والمطلوب لمؤتمر جوهانسبورغ. نرجو ألا يحدث الذي نخشاه، وأن يقبل العالم على المؤتمر بالعزم الأكيد الذي يحقق مراميه.
التطور من فكرة بيئة الانسان (1972) الى فكرة البيئة والتنمية (1992) الى فكرة التنمية المتواصلة (المستدامة) عام 2002، ينطوي على تقدم ناضج. ذلك لأن العلاقة بين الانسان والبيئة لا تقتصر على آثار حالة البيئة على صحة الانسان وعلى وظائفه الحيوية والمزاجية، كما كان الظن في 1972، انما للعلاقة وجه آخر هو أن البيئة هي خزانة الموارد التي يحولها الانسان بجهده وبما حصّله من المعارف العلمية والوسائل التقنية الى ثروات، أي الى سلع وخدمات تفي بحاجات حياته. تحويل الموارد الى ثروات هو جوهر التنمية. والتحول عام 1992 الى فكرة البيئة والتنمية جمع بين وجهي العلاقة بين الانسان والبيئة، وهي خطوة متقدمة عن فكرة القصور على نوعية البيئة ومشاكل التلوث. فكرة التنمية المتواصلة تتقدم بنا خطوة الى الأمام إذ تضيف أبعاداً اجتماعية وأخلاقية لعلاقة الانسان بالبيئة، وتضع التنمية على ثلاث ركائز: الكفاءة الاقتصادية، صون البيئة وعناصرها وقدرتها على العطاء، العدل الاجتماعي بين الناس جميعاً في حاضرهم ومستقبل أبنائهم.
التنمية المتواصلة
التنمية في أصلها هي ناتج عمل الانسان على تحويل عناصر فطرية في البيئة (تراكيب وبنيات جيولوجية، اجزاء من أجسام الحيوان أو النبات، كتل من الهواء أو الماء، قوى تتضمنها موجات الطاقة الصادرة عن الشمس أو التي تحملها الرياح وتيارات المياه) الى ثروات، أي الى سلع وخدمات تقابل حاجات الانسان. هذا التحويل يعتمد على جهد الانسان وما يوظفه من معارف علمية وما يستعين به من وسائل وأدوات تقنية. التنمية هي تغيير في البيئة يهدد توازنها الفطري، ويصل الى درجة الاضرار اذا تجاوز قدرة الفطرة البيئية على الاحتمال، وقدرتها على استعادة التوازن ورأب التصدعات.
كانت علاقة الانسان في فجر تاريخه متوازنة مع بيئته، لأن اعداده ومعدلات استهلاكه وما يستخدمه من وسائل تقنية كانت في حدود قدرة البيئة على العطاء. فلما انتصف القرن العشرون ـ مفصلة التاريخ البيئي للانسان ـ كانت أعداد الناس قد زادت، وأصبحت معدلات هذه الزيادة بالغة حتى وصفت بانها "انفجار سكاني". كذلك تعاظمت معدلات استهلاكهم لنواتج التنمية من السلع والخدمات، وتعاظمت تطلعاتهم للمزيد، وتعاظمت كميات النفايات والمخلفات التي تخرج عن نشاطهم الى حيز البيئة. بذلك اختلت العلاقة المتوازنة بين الانسان والبيئة، وتوجس الناس خوفاً من خطر ذلك على مستقبلهم، وتنادوا في ختام القرن العشرين بفكرة التنمية المتواصلة (المستدامة) التي تبلورت في تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية الذي نشر تحت عنوان "مستقبلنا المشترك" (صدر باللغة العربية في سلسلة عالم المعرفة الكويتية، العدد 142، عام 1989).
عرّف تقرير "مستقبلنا المشترك" التنمية المتواصلة بأنها التنمية "التي تفي باحتياجات الحاضر دون أن تضر بقدرة الاجيال القادمة على الحصول على احتياجاتها". هذه العبارة تعني امتداد الاطار الزمني للتنمية الى المستقبل، وتعني العدالة بين الأجيال وهي واحدة من عناصر العدالة الاجتماعية. ثم كان مؤتمر 1992 (ريو دي جانيرو: قمة الأرض) الذي تبنى فكرة التنمية المتواصلة، وجعلها محور خطة العمل التي وضعها للقرن الحادي والعشرين. وأصبحت الفكرة محور الحديث في كل مجتمع، وبرزت لها أبعاد عديدة تتصل بالوسائل التقنية التي يعتمد عليها الناس في جهدهم التنموي، في الصناعة والزراعة وغيرها، وتتصل بالسلوك الفردي والجماعي في أنماط الاستهلاك وضوابط القيم، وتتصل بالمناهج الاقتصادية التي يجري عليها حساب المأخوذ والمردود.
في مجال الوسائل التقنية، برزت قضايا كفاءة استخدام الطاقة والمواد، وظهرت مدارس تتحدث عن "العامل 4" أي القدرة على مضاعفة الناتج مع مناصفة المدخل، وزاد البعض الحديث عن "العامل 10". هذه قضايا تطرح إعادة النظر في الادوات والآلات التي نستخدمها على المستوى الفردي (السيارة التي نتنقل بها وكم تستهلك من الوقود مثلاً)، وعلى مستوى الصناعة ومحطات القوى، وكذلك الأمر مع مدخلات الزراعة من الطاقة والمواد. هذه وجوه اقتصادية تدخل في حسابات كلفة الانتاج، وتتصل أيضاً بكمية المخلفات والمخرجات التي، إن وجدت الوسائل التقنية التي تقلل من كمياتها والتي تعيد استخدامها بالتدوير أو باستحداث طرق للافادة منها، يزيد العائد الاقتصادي ويقل الضرر البيئي، لأن المخلفات مصادر رئيسية للتلوث البيئي. انظر الى صناعة السيارات وسعيها الى تطوير السيارة ليكون استهلاكها من الوقود أقل، ولتكون المخرجات الملوثة أقل. كذلك تتوجه صناعات الاسمنت ومحطات القوى. على مثل هذا سعي الزراعة الحديثة الى زيادة الناتج مع اقلال المدخلات من كيماويات الاسمدة والمبيدات، والاعتماد على تقنيات علوم الاحياء (استخدام الكائنات الدقيقة في التسميد، الاعتماد على المكافحة المتكاملة للآفات، الاعتماد على وسائل الهندسة الوراثية لاستنباط سلالات تزيد الناتج وتقاوم الآفات وتحتمل ظروف البيئة الخاصة...) لتجمع الزراعة بين الكفاءة والنظافة.
في مجال الوسائل الاجتماعية تبرز فكرة التنمية المتواصلة ركيزة أساسية هي رفض الفقر والبطالة والتفرقة التي تظلم المرأة، والتفاوت البالغ بين الاغنياء والمدقعين. العدل الاجتماعي أساس الاستدامة. يقتضي هذا عدة أمور ينبغي أن يجد المجتمع سبله اليها:
أولاً، ضبط السكان، فالزيادة السكانية تبلغ نحو 80 مليون نسمة كل عام، وهي زيادة لا تتسع لها الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة. وأغلب الزيادة (85%) في دول العالم الثالث الموسوم بالاكتظاظ والتخلف والفقر، واستمرار هذه الحال يزيد الفقراء فقراً. هذا باب من أبواب الخطر على العالم جميعاً، والمنشغلون بمكافحة الارهاب ينسون ان السبيل القويم هو مكافحة الفقر والعوز. التقنيات الحديثة إن لم تضبطها قواعد اجتماعية تؤدي الى زيادة البطالة.
ثانياً، فكرة العدالة الاجتماعية تتضمن العدالة بين الناس والأخذ بيد الفئات المستضعفة، والعدالة بين الاجيال حتى ليقال إن ما بين أيدينا من ثروات طبيعية هو ملك الابناء والاحفاد وينبغي أن نصونه ليرثوه سليماً خصب العطاء، والعدالة تجاه الكائنات من شركائنا في المحيط الحيوي من مخلوقات الله.
ثالثاً، فكرة تنمية البشر وسعت معنى التعليم ومراميه. في كل عام يصدر برنامج الأمم المتحدة الانمائي تقريراً عن "التنمية البشرية" التي تقاس بمعايير تنموية واقتصادية واجتماعية، ويصنف التقرير دول العالم درجات حسب نجاحها في تحقيق التنمية البشرية. من المؤسف جداً ان الدول العربية قاطبة تقع في ذيل الدرجات. التعليم والتدريب من أدوات التنمية البشرية، والسؤال المطروح: هل تخرج مؤسسات التعليم أفراداً قادرين على الاسهام الايجابي في التنمية والتقدم الاجتماعي، أم تخرج أعباء اجتماعية تذهب الى ساحات البطالة لا الى سوق العمل؟ التنمية المتواصلة تطلب منا أن نعيد النظر في نهج التعليم وأساليبه ومراميه ومؤسساته.
رابعاً، من الركائز الجوهرية لنجاح التنمية المتواصلة مشاركة الناس، المشاركة الفاعلة في مراحل التخطيط والتنفيذ للتنمية الوطنية. وتعتمد هذه المشاركة على القبول الاجتماعي، وهي جوهر الديمقراطية. غياب الديمقراطية يحرم الناس من المشاركة وكأنما يعفيها من المسؤولية، وفي هذا ما يعطل قدرتهم على الاداء. المنظمات الاهلية والمؤسسات غير الحكومية من أدوات المشاركة الجماهيرية. برامج الارشاد والاعلام الصحيحة تبصّر الناس بأدوارهم وترشدهم الى مناط الفعل النافع والاسهام الايجابي في تحقيق التنمية المتواصلة.
خامساً، تستكمل الوسائل الاجتماعية بضبط السلوك الاستهلاكي للناس، وقبول حدود رشيدة تبعد عن حد الاسراف ولا تحرم من الغذاء الراشد ومتع الحياة الكافية. الاوضاع الحالية، وخاصة في مجتمعات الوفرة، أقرب الى حدود الاسراف غير الرشيد، حيث زيادة في قدر الاستهلاك وما يتبعها من زيادة في كمية المخلفات والملوثات.
تستكمل أدوات التنمية المتواصلة بترشيد المناهج الاقتصادية. على رأس ذلك تأتي فكرة "المحاسبة البيئية للموارد الطبيعية"، فقد جرى الأمر على عدم إدراج قيمة ما يؤخذ من عناصر البيئة المختزنة في حقول النفط والغاز ورواسب الفحم ومناجم التعدين وغيرها في حساب الكلفة. كذلك جرى الأمر على عدم إدراج قيمة ما يحصد من الثروة السمكية في قيمة المخزون السمكي، وما يحصد من حقول الزراعة في قيمة النقص في خصوبة الأرض، وفي كثير من الاحوال لا يحسب لمياه الري قيمة مالية في عمليات الحساب الزراعي. في هذا وغيره، نجد أن الحسابات الاقتصادية تنقصها عناصر جوهرية. كذلك نلحظ أن أوجهاً من الحساب تحتاج الى تعديل: حساب الناتج الزراعي (المحصول) من وحدة المياه، حساب الناتج الصناعي من وحدة الطاقة. ومن أدوات الحساب الاقتصادي الضرائب والحوافز المالية، وينبغي أن توظف هذه الأدوات لتعظيم كفاءة الانتاج وخدمة أغراض التنمية المتواصلة.
تبقى قضية الوجه الاقتصادي للزراعة في حاجة الى نظر خاص. كانت الزراعة، على مدى قرون من التاريخ البشري، ركيزة الاقتصاد ومصدر الثروات. وكان تراكم فائضها الاقتصادي رأس المال الذي أنشأ الصناعات ومول تنميتها. وما تزال الزراعة في تطورها المعاصر واحدة من ركائز الانتاج، وتعطي محاصيلها الانسان طعامه وخامات كثير من صناعاته. لكن الزراعة ذات الانتاج الوفير الذي يحقق الأمن الغذائي للبشر جميعاً، تعتمد على الدعم المالي من موارد الدولة. عشرات البلايين من الدولارات تدفعها حكومات أوروبا وأميركا واليابان وغيرها لدعم الزراعة، لأن الزراعة لم تعد قادرة على التنافس في اسواق المال مع الاستثمار في مجالات الصناعة والسياحة وغيرها. هذه مسألة ينبغي أن يقبلها المجتمع ويدخلها في حسابات اقتصاده: زراعة الغذاء لتحقيق الأمن الغذائي، وهو وجه من أوجه أمن المجتمع.
التنمية المتواصلة إطار عريض يجمع بين أوجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية جميعاً، ويشمل صون الموارد وحماية البيئة. لذلك يحسن النظر في الانتقال من فكرة ادارة البيئة الى فكرة ادارة التنمية.
ادارة التنمية المتواصلة
لعلنا نقصر الحديث هنا على تجربة المنطقة العربية. شُغلت دول النطقة في سنوات الاعداد لمؤتمر استوكهولم (1970 ـ 1972) بالمشاركة في دراسات قضايا البيئة. وعقدت مؤتمرات تحضيرية في الخرطوم وفي بيروت تناولت أوجه هذه القضايا على النحو الذي ستعرض به في استوكهولم. وبعد استوكهولم، شرع عدد من الدول العربية في انشاء مؤسسات حكومية تعنى بقضايا البيئة ألحقت في أول الأمر بوزارات الصحة أو الشؤون البلدية. واهتمت وزارات التعليم بادخال قدر من المعارف السكانية والبيئية في مناهج الدراسة. عاصرت هذه السنوات (السبعينات) نشأة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التي وضعت برامج للبيئة ضمن قطاع العلوم، وعنيت هذه البرامج بشؤون التربية البيئية ومكافحة التصحر وحماية البيئات البحرية والعمارة المناسبة للبيئات الجافة. وشاركت الدول العربية في هذه الجهود التي عاونت عليها منظمة الاونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
في الثمانينات والتسعينات بدأت بعض الدول تنشئ مؤسسات لحماية البيئة تشرف عليها مجالس عليا تشارك فيها الوزارات والهيئات الحكومية المعنية. وبرز الاهتمام بصون التراث الطبيعي واقامة المحميات الطبيعية التي تؤدي دورها في صون الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض، التي كان المها العربي من أوائلها. ثم شرعت بعض الدول العربية في إنشاء وزارات لشؤون البيئة، لتصبح حماية البيئة من الوظائف الرئيسية التي تنهض بها الحكومة.
لكن القرن الحادي والعشرين أبرز قضية التنمية المتواصلة لتشمل في أعطافها أمور التنمية جميعاً وأمور حماية البيئة وصون مواردها. وأصبح على الدول أن تعيد النظر في بنيات المؤسسات الحكومية العاملة في هذه المجالات المتعددة والمترابطة. كذلك برزت مجموعة من القضايا ذات المدى العالمي والتي وضع لها العالم اتفاقيات دولية ينبغي على الدول أن تشارك في مساعيها، لعل أبرزها اتفاقية تغير المناخ واتفاقية التنوع الاحيائي واتفاقية حماية طبقة الاوزون واتفاقية مكافحة التصحر. أضف الى ذلك مجموعة من الاتفاقيات الاقليمية بشأن حماية البيئة البحرية في حوض البحر المتوسط، وحوض البحر الأحمر وخليج عدن، وحوض الخليج العربي. والسؤال الذي يطرح على الدول العربية، ويطرح كذلك على دول العالم جميعاً عندما تلتقي في جوهانسبورغ في آب (اغسطس) 2002: ما هي المؤسسات الوطنية التي ينبغي ان تنشأ لتؤدي دورها في الوفاء بالمسؤوليات الوطنية من جملة هذه القضايا، وما هي المؤسسات العالمية التي ينبغي أن تنشأ لتدعم جهود الدول ومساعيها وتحقق الترابط والتناغم بين هذه المساعي ليكون من ثمارها إصحاح مسارات البشر؟
يحتاج الأمر الى تنظيم مؤسسي متكامل يحقق الوظائف التالية:
-             وضع برامج التنمية المتواصلة، وادارة تنفيذ هذه البرامج.
-             وضع برامج حماية البيئة وحفظها من التدهور.
-             وضع برامج صون التنوع الاحيائي والتراث الطبيعي.
-             وضع برامج الاسهام في الجهود الدولية في مجالات البيئة العالمية.
-             وضع برامج الاسهام من الجهود الاقليمية لحماية البيئة وصون مواردها.
هذه المجموعات الخمس تدخل في مجالات مسؤوليات الوزارات والمؤسسات الحكومية جميعاً، وتحتاج الى الاسهام الفاعل من المنظمات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، وكذلك من مؤسسات البحث العلمي والتطوير التقني وتأهيل العاملين. وينبغي أن يحظى التنظيم المؤسسي المأمول بالدعم السياسي الذي يجعل له الفاعلية والقدرة على الأداء. ويقترح أن يشمل التنظيم ثلاثة مكونات بينها أواصر الترابط والتكامل والأداء المتناغم:
1.          المجلس الاعلى للتنمية المتواصلة
هذا جهاز حكومي يتولى رسم السياسات ووضع خطط العمل ومتابعة التنفيذ في مجالات التنمية كافة. يضع المجلس قائمة أولويات العمل في صيغة الاستراتيجية الوطنية للتنمية المتواصلة. يرأس المجلس رأس الدولة أو رئيس مجلس الوزراء، ويكون أعضاؤه الوزراء المسؤولين عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية ورؤساء الهيئات العامة، ويكون لوزير التخطيط دور خاص. تعاون المجلس في عمله، وفي تمكين الترابط بينه وبين الهيئات والاجهزة المتصلة بعمله، أمانة فنية تلحق بها مجموعة من مندوبي الوزارات والهيئات الاعضاء في المجلس.
2.          المجلس الاهلي للتنمية المتواصلة
يتسع المجلس الاهلي لعضوية أصحاب المصالح شركاء التنمية في القطاعين العام والخاص. ويكون رئيس الامانة الفنية للمجلس الاعلى عضواً في المجلس الأهلي، وتكون مهمته توثيق الصة بين المجلسين وتحقيق السريان السلس للمعلومات بينهما. ويكون المجلس الأهلي أداة لتحقيق المشاركة الأهلية في رسم السياسات ووضع الخطط وبرامج العمل، والمساهمة الفاعلة في تنفيذ البرامج.
3.          الهيئة الوطنية للبيئة
تتولى الهيئة رسم السياسات والخطط والبرامج في مجالات حماية البيئة وصون التراث الطبيعي. ويتصل بذلك وضع المعايير البيئية ومتابعة تنفيذ التشريعات البيئية. ويكون لها مجلس ادارة يجمع بين عضوية ممثلين للوزارات المعنية بشؤون البيئة وللمؤسسات الأهلية العاملة وعدد من الخبراء. ويكون رئيس الامانة الفنية عضواً في المجلس، وكذلك يكون رئيس الهيئة الوطنية للبيئة (أو وزير شؤون البيئة) عضواً في المجلس الاعلى للتنمية المتواصلة.
(توجد تفاصيل عن التنظيم وادارة التنمية المتواصلة لدى اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة ومقرها بيروت)
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.