Friday 19 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
رجب سعد السيد الارهاب البيئي العالمي الجديد  
أيار (مايو) 2002 / عدد 50
 كان الأمر سيبدو اعتيادياً لو تركنا أنفسنا لموجة الانفعالات الجارفة التي تتخذ من منطقتنا العربية بؤرة لها هذه الأيام، وحدَّدنا لوناً للسجل البيئي للرئيس الاميركي جورج بوش الابن، فجعلناه أسود، أو غائماً عكراً، بلون المياه الملوَّثة التي تجري حالياً في بعض انهار الولايات المتحدة. لم يكن أحد ليلومنا إن نحن فعلنا هذا. فالأسود يتفق مع مقتضى الحال. غير أننا رأينا أن نتجاوز تحديد اللون تجنباً لأي شبهة انفعال أو عدم موضوعية تؤثر على انطباع القارئ عند مطالعته عنوان هذا المقال. وعلى أي حال، فاننا واثقون من أن القارئ لن يجهد نفسه في البحث عن لون آخر لدفتر السياسة البيئية الأميركية في الوقت الراهن. وما يؤكد التزامنا الحياد، غير التخلي عن إلصاق صفة السواد بالسجل، هو أننا لم نأتِ في هذا المقال بشيء من عندنا. فالمعلومات الواردة فيه مستقاة من مصادر أميركية. وشهودنا هم "من أهل البيت". وآخر الشهود آل غور، نائب الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي ضد بوش، الذي قال في مقال كتبه الشهر الماضي لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية حول السياسة البيئية للرئيس بوش: "هذه الادارة دأبت باستمرار على بيع مستقبل أميركا في مقابل أرباح سياسية قصيرة الأمد".
توقف المحللون البيئيون والاقتصاديون والعسكريون حول العالم أمام تقرير موسع صدر في نيسان (ابريل) 2002 بعنوان "حكم القوة أم حكم القانون؟ تقييم سياسات الولايات المتحدة وتصرفاتها حيال الاتفاقيات والمعاهدات الأمنية"*. وقد وضعته مجموعة من خبراء السياسة الدولية والبيئة والقانون في الولايات المتحدة، وصدر عن معهد بحوث الطاقة والبيئة ولجنة المحامين للسياسة النووية هناك. يتناول التقرير، بالتحليل والمناقشة، توجهات دول كبرى لتقويض الأنظمة الشرعية في المجتمع الدولي، وممارساتها المشبوهة لتعويق النمو والتقدم للآخرين. وقد جاءت الولايات المتحدة في مقدمة هذه الدول، لمواقفها المتخاذلة والخارقة والناقضة والمنتهكة للمعاهدات والاتفاقيات والحقوق الدولية عامة، والمتصلة بالشؤون البيئية على وجه الخصوص. وجاء في مقدمة التقرير: "إنه أمر مستغرب من هذه الدولة، التي قامت على أساس من سيادة القانون، وصورت نفسها، أو صورها الآخرون، على أنها الأشد حرصاً على الشرعية الدولية في العالم". ورأى الباحثون أن مشاكل العالم ينبغي أن تحل من خلال الاحتكام للقانون، الذي يهيئ المعاهدات الدولية كأداة قيّمة وفعالة للتوصل الى الحلول السلمية، والذي يحمي تطلعات المجتمعات وآمالها. وضروري، إذا ملنا لقاعدة حكم القانون لا حكم القوة، ان تخضع الدول والأنظمة القوية للشرعية وأن تلتزم بها، ولو بدا الأمر صعباً أو مكلفاً، أو صورته المصالح العليا الاقتصادية والاعتبارات الديبلوماسية وعنجهية القوة العسكرية وكأنه غير ضروري. من هنا ركزت الدراسة على سياسات الولايات المتحدة، أو أميركا اختصاراً، أكبر قوة في العالم.
ان توجه أميركا للتنصل من هذه الاداة القانونية الدولية، أو معارضتها ومعاداتها، اتضح في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون، برفضه توقيع معاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد. وجاء بوش ليتمسك بالنهج. ففي الشهور السابقة لاحداث 11 أيلول (سبتمبر)، سحبت اميركا دعمها لبروتوكول كيوتو، بالرغم من انها لعبت دوراً هاماً في صنع هذا البروتوكول. وبعد الأحداث ناشدت العالم مساعدتها لمقاومة الارهاب، فتوقع البعض ان تعود الى التمسك بالقانون والشرعية. غير انها استمرت في التعويل على القوة العسكرية وترسانتها النووية ونظام استخباراتها، بدلاً من تفعيل الاتفاقيات الدولية لتتبع الارهاب ومقاومته باجتثاث أسبابه ودوافعه. وباتت لا تكتفي برفض المصادقة على الاتفاقيات الدولية المستجدة، بل تراوغ وتتهرب من الوفاء بالالتزامات التي تفرضها الاتفاقيات التي سبق أن صادقت عليها.
دعونا الآن نراجع القائمة التي رصد فيها التقرير حوادث التراجع والتخاذل والانسحاب الاميركي من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالبيئة العالمية.
معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية
انتهت المفاوضات حول هذه المعاهدة عام 1996، بعد أربعة عقود من المباحثات واتفاقيات الحظر الجزئي للتجارب النووية. وهي تحظر جميع الانفجارات النووية لأي غرض، حربياً كان أو سلمياً. ولكي تصبح نافذة، ينبغي تصديقها من 44 دولة أدرجت على أن لديها شكلاً من القدرة التكنولوجية النووية، بما في ذلك المفاعلات النووية التجارية أو البحثية. وما زالت الاتفاقية بحاجة الى تصديق 13 دولة، ومنها الولايات المتحدة.
وقع المعاهدة ممثلو 164 دولة وصدقتها 89 دولة. ووقعها كلينتون عام 1996. وعلى رغم مناشدة الحلفاء وقطاعات واسعة من الرأي العام الأميركي، صوت مجلس الشيوخ في تشرين الاول (اكتوبر) 1999 على رفض المصادقة عليها، موجهاً رسالة خطيرة الى دول العالم. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 أعلنت ادارة بوش معارضتها في اجتماع لجنة الأمن ونزع السلاح في الأمم المتحدة.
ان ميزة الاتفاقية واضحة كوسيلة لمنع الانتشار النووي ونزع السلاح. وفي حين يمكن تصميم أسلحة نووية بدائية من دون تجارب، فمن غير الممكن بناء ترسانة عابرة للقارات من دون تجارب. وهذا ينذر بعظائم الأمور.
معاهدة الصواريخ الباليستية
أبرمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق هذه المعاهدة عام 1972، بعد أن تنامت مخزوناتهما من الصواريخ المتعددة الرؤوس التي يمكن أن يضرب كل منها هدفاً مستقلاً. وأثارت هذه الأسلحة الاحتمال النظري بتوجيه ضربة أولى مفاجئة من قبل أحد قطبي الحرب الباردة قد تودي بمعظم القوات النووية الاستراتيجية للطرف الآخر. ووجود نظام دفاعي شامل يمكن عندئذ أن يمنع بقية الرؤوس النووية في الضربة الثأرية للخصم من تدمير أراضي عدوه.
كان يفترض أن تحافظ المعاهدة على صدقية الردع الثأري على أساس التهديد بضربة ثانية ناجحة، وهو ما يعرف بسياسة الدمار المؤكد المتبادل. وهي تضع أيضاً قيوداً على التطور التكنولوجي المستقبلي بهدف المحافظة على "توازن استراتيجي" بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
ومنذ عدة سنوات، اتبعت الولايات المتحدة سياسة التفاوض على ادخال تغييرات في الاتفاقية، فيما تجري أبحاثاً حول تكنولوجيا الدفاع الصاروخي. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2001 أخطرت ادارة بوش روسيا رسمياً بعزمها على الانسحاب من المعاهدة خلال ستة أشهر، وفقاً لنص فيها يسمح بالانسحاب على أساس أحداث استثنائية تعرض للخطر المصالح العليا للبلاد. وهذا أول انسحاب رسمي من جهة واحدة لقوة عظمى من اتفاقية للحد من الأسلحة النووية بعد سريانها. ان الاجراء الاميركي يبعث على القلق نظراً لقرار الولايات المتحدة وضع قائمة بالبلدان التي قد تكون هدفاً لأسلحتها النووية، في وثيقة مراجعة الوضع النووي الصادرة حديثاً.
اتفاقية الأسلحة الكيميائية
تحظر هذه الاتفاقية تطوير ونقل واستعمال الأسلحة الكيميائية، وتقيم نظاماً لمراقبة تدميرها وللتأكد من أن المواد الكيميائية المستخدمة لأغراض مشروعة لا تتحول للاستعمال في الأسلحة. وبالاضافة الى المعاينات الدورية، تعطي الاتفاقية الدول الأطراف الحق في طلب اجراء تفتيش لأي مرفق على أراضي دولة طرف يشتبه في أنها لا تتقيد بالاتفاقية.
وكانت الولايات المتحدة أدت دوراً مهماً في التفاوض على الاتفاقية. وأيدت أن تكون واسعة النطاق تشتمل على نظام دقيق للتأكد والتفتيش. وحازت الاتفاقية على دعم ثلاث ادارات رئاسية أميركية، اضافة الى دعم شعبي وقبول من الاستخبارات ووزارة الدفاع وصناعة الكيميائيات. وعلى رغم هذا الدعم الواسع، هدد عدد من الأعضاء البارزين في مجلس الشيوخ، بمن فيهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية آنذاك، بمنع التصديق على الاتفاقية ما لم تضمن حماية مصالح الأمن التجاري والوطني في الولايات المتحدة بشكل أفضل. وبعد مفاوضات مطولة تم تصديق الاتفاقية، لكن الكونغرس فرض قيوداً حول الطريقة التي ستنفذ بها الولايات المتحدة شروطها. ويحق للرئيس الاميركي، وفق القانون التنفيذي الأميركي، ان يرفض تفتيش أي مرفق أميركي اذا تبين أنه قد "يشكل خطراً على مصالح الأمن القومي".
اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسامة
تم التوقيع على هذه الاتفاقية عام 1972 وأصبحت نافذة في 26 آذار (مارس) 1975. وعلى رغم انها تسمح بحيازة كميات صغيرة من المواد التي تدخل في صنع أسلحة بيولوجية لأغراض دفاعية، مثل تطوير لقاحات، فهي لا تتضمن آليات للتأكد من أن البلدان الأعضاء تتقيد بمحظوراتها.
خلال السنوات السبع المنصرمة، عملت لجنة خاصة منبثقة عن جميع الدول الأعضاء على وضع بروتوكول ملزم قانونياً لتقوية الاتفاقية. ووافقت الدول الأعضاء على أن يشمل البروتوكول بيانات برامج الدفاع البيولوجي الوطنية، والمرافق ذات المحتوى البيولوجي العالي، ومرافق الكائنات الممرضة للنباتات، والمرافق التي تركز على عوامل سامة معينة، وبعثات تفتيش ميدانية، واجراء تحقيقات سريعة في مزاعم عدم الامتثال للاتفاقية.
وافقت الولايات المتحدة في البداية على المحتوى العام للبروتوكول. لكن عدداً كبيراً من مسؤولي الأمن عارضوا التصديق عليه، باعتباره يطلب معلومات تتعلق بالعمل الدفاعي البيولوجي. وأثارت شركات تتعاطى التكنولوجيا البيولوجية مخاوف حول حماية المعلومات التي تملكها. وفي أيار (مايو) 2001 نفذت ادارة بوش مراجعة سياسية للبروتوكول، وفي تموز (يوليو) 2001 أعلنت أنها لن تدعمه حتى لو تم تنقيحه، مقترحة تعهدات طوعية لتحسين النظام الحالي للتحكم بالأسلحة البيولوجية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 أعلنت أن "البروتوكول قد مات"، متهمة في الوقت نفسه سورية والعراق وليبيا والسودان وإيران وكوريا الشمالية بخرق الاتفاقية.
ضمن برنامجها للدفاع البيولوجي، أنتجت الولايات المتحدة قنبلة بيولوجية نموذجية، وصممت سلاحاً من جرثومة الانثراكس، "الجمرة الخبيثة"، وأنشأت مختبراً نموذجياً لانتاج حاملات الأمراض، وبدأت تطوير سلاسة "متفوقة" من الأنثراكس بالهندسة الوراثية. كل هذا فعلته سراً من دون إعلام بقية أطراف الاتفاقية. لكن يبدو أن لهذه الممارسات مفعولاً ارتدادياً. فها هو "الأنثراكس" عاد وسبب لها الرعب بعد 11 أيلول (سبتمبر) الماضي.
معاهدة حظر الألغام
عام 1996 باشرت مجموعة من الدول مساعي لوضع اتفاقية تحظر الالغام الأرضية المضادة للأفراد. ونتجت عن ذلك معاهدة حول منع استعمال وتخزين وانتاج ونقل هذه الألغام، وقعتها 122 دولة وسرى مفعولها في آذار (مارس) 1999. وهي طلبت من الدول الأعضاء تقديم تقارير تنفيذية الى الأمين العام للأمم المتحدة خلال 180 يوماً، وتدمير مخزوناتها من الألغام خلال أربع سنوات، وتدمير الألغام المزروعة في أراضيها أو في الأراضي الخاضعة لها خلال 10 سنوات.
على رغم أن الرئيس الاميركي بيل كلينتون كان أول زعيم عالمي دعا الى "زوال نهائي" للألغام الأرضية، فخلال المفاوضات على الاتفاقية طلبت ادارته السماح بأنواع معينة من الألغام المضادة للأفراد، وتحديد مدة إمهال اختيارية من تسع سنوات للتقيد بالاتفاقية. وحين رفضت هذه الطلبات امتنعت الولايات المتحدة عن توقيع الاتفاقية. وتنصل منها بوش في آب (أغسطس) 2001.
والولايات المتحدة واحدة من 14 بلداً فقط لم تعلن التوقف عن انتاج الألغام. فهي تمتلك ثالث أكبر مخزون من الألغام المضادة للأفراد في العالم، يزيد مجموعه على 11 مليون لغم، بما فيها 1.2 مليون لغم "صامت" تدوم طويلاً. وهي تخزن نحو 1.7 مليون لغم في 12 بلداً أجنبياً، خمسة منها أعضاء في اتفاقية حظر الألغام. وقد صدرت أكثر من 5.6 ملايين لغم مضاد للأفراد الى 38 بلداً بين 1969 و1992. وصنعت ألغاماً مضادة للأفراد عثر عليها في 28 بلداً واقليماً.
الاتفاقية تغير المناخ وبروتوكول كيوتو
وقعت الولايات المتحدة الاتفاقية الصادرة عام 1992، وسرى مفعولها عام 1994. وهي تعتبر أن "الجزء الأعظم من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، تاريخياً وحالياً، نشأت في البلدان المتقدمة، وهي ضئيلة نسبياً في البلدان النامية". وخلال العقد الماضي تجمعت أدلة متزايدة على ان المناخ العالمي يتغير نتيجة الانشطة البشرية، وأن ذلك قد يستتبع عواقب كارثية أفظع وأسرع مما كان منظوراً قبل عشر سنوات.
لذلك صمم بروتوكول كيوتو عام 1997 كخطوة أولى نحو التزام بالحقائق المستجدة. وبموجبه توافق الدول المتقدمة على خفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة بنسبة خمسة في المئة على الأقل خلال الفترة 2008 الى 2012 عما كانت عام 1990. ووقعت ادارة الرئيس كلينتون الاتفاقية، لكنها لم تصدق عليها. وفي آذار (مارس) 2001 أعلن بوش بروتوكول كيوتو "ميتاً"، معتبراً أنه يشكل خطراً على الاقتصاد الأميركي. فهو، في رأي الادارة الأميركية، يفرض تخفيضات صارمة في انبعاثات غازات الدفيئة من شأنها أن تحرم 4.9 ملايين أميركي من أعمالهم، وأن تقوض قدرة البلاد على الاستثمار في الطاقة الأنظف على المدى الطويل، مما يكلف الاقتصاد 400 بليون دولار. وأكملت البلدان المتقدمة الأخرى الأعضاء مفاوضاتها حول الاهداف المحددة معلنة عزمها على تحقيقها.
المحكمة الجنائية الدولية
بموجب "تشريع روما"، تتأسس في لاهاي (هولندا) أول محكمة جنائية دائمة في العالم لمحاكمة الافراد على اقترافهم جرائم الابادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية. ولا تقر هذه المحكمة بأي حصانات. لذلك فان رؤساء الدول، الذين يكونون عادة في منأى عن المحاكمة، يمكن جلبهم للعدالة الدولية لارتكابهم أعمالاً وحشية.
وسوف تكون المحكمة مؤسسة مستقلة وغير تابعة للأمم المتحدة. لكن الولايات المتحدة تريدها أن تكون معتمدة على مجلس الأمن بخصوص القضايا التي تعرض عليها.
وقد تم التوقيع على الاتفاقية الخاصة بالمحكمة في تموز (يوليو) 1998، ووافقت عليها 120 دولة وعارضتها 7 دول، منها الولايات المتحدة. وفي تشرين الأول (اكتوبر) 2001 أصبحت بريطانيا البلد الثاني والأربعين الذي يوقع عليها. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2001 أضاف مجلس الشيوخ الاميركي تعديلاً على قانون عسكري لمنع العسكريين الأميركيين من الامتثال لسلطة المحكمة. وفي نيسان (ابريل) الماضي أعلنت الادارة الأميركية رفضها المحكمة الجنائية الدولية وحرمت على مواطنيها التعاون معها، بالتزامن مع تصديق العدد المطلوب من الدول عليها لتدخل حيز التنفيذ.
"نريد أن نعيش"
يستنتج تقرير "حكم القوة أم حكم القانون؟" ان مؤسسات صنع المعاهدات الدولية مهددة بأن تفقد نزاهتها لأنها أصبحت خاضعة لتأثير الأقوياء الذين يضغطون لصياغتها بحيث تخدم مصالحهم. وهو يؤكد على حقيقتين: الاولى، أن لاميركا وزنها الكبير، لذلك فان انسحابها من منظومة العمل الدولي الشرعي المتمثل في المعاهدات والاتفاقيات يعني تهديداً خطيراً لأمن العالم وللبيئة. ثانياً، ان الشعب الاميركي جزء من المجتمع العالمي، وأي إخفاق أو خيبة أمل تصيب العالم سوف يمتد تأثيرها بالتأكيد الى الاميركيين، وعلى الادارة الاميركية أن تضع ذلك في اعتبارها.
على شبكة الانترنت موقع مخصص للانتقادات التي يوجهها مواطنون عاديون الى الرئيس بوش وسياسته البيئية. وجاء في كلمة لاذعة لمواطن اسمه جايمس براداخ أن احد شعارات بوش في حملته الانتخابية كان "من أجل حماية رئيفة"، وقد اتضح كذب الشعار بعد شهور قليلة من توليه الرئاسة، فأعماله "تسبب الأذى للناس كما لم يحدث من قبل". ويضيف براداخ: "يبدو أن بوش عازم على إفساد حياة الاميركيين، فهو غير عابئ بالزرنيخ الذي نشربه في مياهنا، ولا يقدم الدعم الكافي للهيئة التي تحمي البيئة الاميركية. يهمه كسب الثقة ثقة من؟ فهل هذا يساوي ما يحدث في مناخ العالم من تغيرات خطيرة ترتد الينا في هيئة زوابع وأعاصير وفيضانات مدمرة؟ إن بوش يوقِّع تفويضاً بالموت للعالم كله!"
هكذا يرى مواطن أميركي عادي كيف تتناول إدارة بلاده أحوال البيئة الداخلية، فكيف ببيئة العالم؟ وقد تأكد ذلك من خلال استطلاع للرأي أجرته صحيفة "لوس أنجلس تايمز"، وأظهرت نتائجه إحساساً عاماً لدى الاميركيين بأن مستويات التلوث في معظم أنظمتهم البيئية آخذة في الارتفاع. وتقول الاحصائيات إن واحداً من كل أربعة أميركيين يعيش في دائرة قطرها 6 كيلومترات فيها موقع ملوَّث واحد على الأقل، وأن 85% من هذه المواقع تلوَّثت مياهها الجوفية بالعناصر والمركبات الكيميائية المسرطنة والمدمرة للدماغ والمشوهة للأجنة. ومع ذلك، فقد خفضت ادارة بوش عمليات اصحاح البيئة الى أقل من النصف. لذا جاءت مطالبة 50% من المشاركين في الاستقصاء بأن يحظى الشأن البيئي بالأولوية، حتى عندما يكون المحك هو متطلبات النمو الاقتصادي. وعلق أحدهم قائلاً: "كيف أوافق على هذه التخفيضات؟ إنني في الخمسين من عمري، وأحب أن أعيش خمسين سنة أخرى. كما أن لدي ثمانية أولاد أريد لهم أن يعيشوا أصحاء".
وقد استنكر 59% من المشاركين انسحاب بوش من بروتوكول كيوتو. وتساءل بعضهم كيف غاب عن إدارته أن تردي أحوال المناخ وتزايد حدة ظاهرة الدفيئة يمكن أن يؤثرا في اقتصاديات الولايات المتحدة، ربما بصورة أكبر من غيرها. ورأى بعضهم أن بوش لا ينسى أنه أحد رجال الأعمال الذين تربطهم مصالح قوية ـ هو ونائبه ديك تشيني ـ بصناعة الطاقة، فقد كانا يعملان في مجال النفط قبل وصولهما الى السلطة.
كادر
أميركا على كوكب آخر
بقلم زينة الحاج، مسؤولة حملات غرينبيس في لبنان
عندما أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش في آذار (مارس) 2001 أن بروتوكول كيوتو "قد مات"، أصبح واضحاً للعالم اجمع مدى سلبية تأثير الولايات المتحدة في اتفاقية تغير المناخ المتفق عليها تحت غطاء الأمم المتحدة. إلا أن موقعها ضد اتفاقية كيوتو ليس إلا جزءاً من خطة محكمة ومنظمة ضد سياسة تنمية بيئية عالمية. فمن الواضح أن لها قدرة كبيرة على أخذ المبادرة في حل المشاكل البيئية لما تتمتع به من سطوة وموارد وموقع دولي.
ولكن، تتصرف الولايات المتحدة وكأنها تعيش على كوكب آخر خاص بها، وكأنها تستطيع ترك السفينة في أية لحظة. والواقع أن هذا الموقف غير المسؤول سيؤدي الى إغراق سفينة الأرض ما لم يتم التحرك ضد التيار. من الخطأ أن تظن الولايات المتحدة انها، بفضل ثروتها، لن تتضرر من الأزمة البيئية مثل بقية الدول. يمكن لها، بالموارد التي لديها، مراقبة المخاطر الموشكة أن تحدث، وان تأخذ تدابير أقوى من غالبية الدول الأخرى. ولكن عليها أن تدرك ان من الصعب جداً انقاذ هيكل سفينة غارقة.
تظهر الدراسات العينية أن الولايات المتحدة ودولاً أخرى، مثل كندا واوستراليا، تحاول إضعاف مفعول أي نص مقترح لتبني تدابير جديدة تعتبر ضرورية من قبل أغلبية الأطراف في المفاوضات الدولية، أو تنفيذ التدابير المتفق عليها. وعلاوة على ذلك، بعد تمكنها من إضعاف الاتفاقيات، فهي غالباً لا تقبل بالتسوية التي يتم التوصل اليها، بل تستمر باضعافها رافضة الانضمام الى موقف الجميع. وبعد اضعافها، ترفض أحياناً، ببساطة، المصادقة على الاتفاق النهائي.
من الواضح أن الولايات المتحدة لن تقبل أية تدابير تذهب أبعد من قوانينها في ما يتعلق بمفاوضات المعاهدات البيئية. بكلمات أخرى، من الواضح ان موافقتها على القوانين البيئية ستتم فقط حين لا تقتضي أي تغيير في القوانين والسياسات والتطبيقات المحلية. وهذا الموقف محبط، خصوصاً اذا ادركنا أن نمط الاستهلاك غير المستدام الذي يسيطر على الاقتصاد الاميركي هو محور الأزمة البيئية العالمية.
أظهرت التجارب والتاريخ أن بلداناً كالولايات المتحدة ليست لديها اهتمامات بالتنمية المستدامة والسياسة البيئية العالمية. وهي بينت سعيها لتجريد أو منع أية قواعد هادفة الى حماية المستقبل. وتظهر الأمثلة التالية حيلاً ووسائل سياسية تعتمدها الولايات المتحدة في تعاملها مع الاتفاقيات، قد تتسبب بأخطار على مصالحها المحلية القصيرة الأجل:
إضعاف المبدأ الوقائي في برنامج الأمم المتحدة البيئي وقمة الريو: تستمر الولايات المتحدة، ودول أخرى مثل كندا واوستراليا، بتجاهل هذا المبدأ الذي أقر بالاجماع، وتحاربه خلال أي مناقشة في محاولة لاضعاف مفعوله.
معارضة المبدأ الوقائي البيئي في منظمة التجارة العالمية: وقفت الولايات المتحدة بقوة وراء التحركات الهادفة لاعطاء منظمة التجارة العالمية سلطة لاضعاف الاتفاقيات البيئية.
إضعاف اتفاقية بازل التي تمنع انتقال النفايات الخطرة من الدول المتطورة الى الدول النامية: ما زالت الولايات المتحدة خارج العضوية بعد مضي 13 سنة على تبني الاتفاقية، مع انها أضعفت كثيراً لتلائم مصالحها.
بعد حوادث 11 ايلول (سبتمبر)، نصبت الولايات المتحدة نفسها حامية للعالم الحر. وأعلنت أهدافها بشأن تطوير الوحدة العالمية والسلام بحربها على الارهاب. ولكن مرة أخرى، جاء انسحابها في كانون الاول (ديسمبر) 2001 من معاهدة 1972 لحظر الصواريخ الباليستية ليبين فراغ هذه التصريحات. علاوة على ذلك، تجاهلت عدداً من الاتفاقيات الدولية، كاتفاقية الحد من التسلح النووي واتفاقية منع استخدام الألغام واتفاقية منع التجارب النووية واتفاقية الأسلحة البيولوجية.
لقد دعا غيرد لايبولد، المدير التنفيذي لمنظمة غرينبيس العالمية، الى التأمل في أحداث 11 أيلول (سبتمبر) وما أعقبها من تخصيص الكونغرس الأميركي 40 بليون دولار لتمويل حرب على الارهاب. وهو قال: "استغرق الأمر ساعتين فقط، في حين كانت الولايات المتحدة طوال السنوات الثلاثين الماضية البلد الأغنى والأكثر إسرافاً في العالم، وترفض باصرار الجهود الدولية لحماية البيئة باعتبارها مكلفة جداً". ودعا الولايات المتحدة الى وقف معارضتها للقوانين البيئية الدولية. ويرى لايبولد أن السلام الحقيقي ليس مجرد غياب الحرب أو الصراع المسلح، "فوضت دول تكراراً الجهود العالمية الهادفة الى حماية البيئة وحقوق الانسان، فذلك يشكل اساءة الى السلام".
قدم الرئيس بوش الى الكونغرس ميزانية مقدارها 2.1 تريليون دولار أميركي كمصروفات عسكرية، تتضمن ميزانية حرب تفوق معدل الميزانية السنوية للحرب الباردة بـ15%، وضعفي مصاريف الأمن القومي التي بلغت 38 تريليون دولار. سوف تضع هذه الميزانية اقتراحات لبرامج عسكرية، منها برنامج حرب النجوم الذي يلقى معارضة واسعة عالمياً. وعندما أطلق الرئيس الأسبق رونالد ريغان عام 1983 أول خطوة في برنامج حرب النجوم، تم صرف اكثر من 74 بليون دولار على الأبحاث والتطوير لنسخ مختلفة من نظام الدفاع الصاروخي. في ذلك الوقت ربحت كبرى شركات الدفاع، مثل بوينغ ولوكهيد ـ مارتن ورايثيون وTRW، بلايين الدولارات عبر عقود مرتبطة بنظام الدفاع الصاروخي، وما زالت تنتظر الحصول على ثروات اكبر اذا نفذت ادارة بوش جدول عملها الحالي للدفاع الصاروخي.
تدعي الولايات المتحدة أن الأسباب وراء برنامج حرب النجوم الصاروخي هو أنها مهددة بهجوم صواريخ باليستية عابرة للقارات طويلة الأمد من قبل كوريا الشمالية وايران والعراق، التي ترمز اليها كدول "محور الشر". وفي الواقع، لا تمتلك أي من هذه الدول صواريخ يمكنها أن تعبر آلاف الأميال لتصل الى الولايات المتحدة. والطريقة التي تمت بها حوادث 11 ايلول (سبتمبر) أثبتت ان برنامج حرب النجوم الصاروخي غير مجدٍ، بل يمكنه فقط أن يخلق سباق تسلح نووي جديداً.
ستيوارت لينوكس ناشط في غرنيبيس شارك في مناهضة "حروب النجوم" في الولايات المتحدة، وواجه عقوبة السجن 6 سنوات حين مثل أمام القضاة اثناء جلسة المحاكمة قائلاً: "اني أقف هنا لأشهد على اختبار صاروخي غير قانوني أجرته القوات العسكرية بالقرب من قاعدة فاندنبرغ الجوية لحساب الحكومة الاميركية. اني هنا لا أمثل ذاتي فحسب، وانما آراء الكثير من الناس في بلدي اوستراليا وفي أنحاء العالم، الذين يريدون أن يعيشوا في عالم خال من الأسلحة النووية والطاقة النووية والمشاكل المرتبطة بها. ومن خلال ملاحظاتي في هذا البلد، وجدت أوجه تطابق مع بلدان فقيرة زرتها وتدعى بلدان العالم الثالث. فهناك أناس لا مأوى لهم، وفقراء يستجدون المال، ونواقص في التعليم والرعاية الصحية. فأتعجب من بلايين الدولارات التي يدفعها المكلفون والتي اهدرت فعلاً أو ما زالت تنفق دون طائل على درع الدفاع الصاروخي المقترح. وبعد أن أمضيت أسبوعاً في أحد سجونكم، أصبحت مقتنعاً بأن هذه الأموال يمكن انفاقها بصورة أفضل على مساعدات انسانية تذهب الى المستضعفين في هذا البلد وفي أنحاء العالم". (أطلق سراح جميع المعتقلين في القضية).
لن تمنع العمليات العسكرية المزيد من التحركات الارهابية الدولية، سواء ضد الولايات المتحدة او ضد أي دولة أخرى في العالم. ولن يؤدي الثأر العسكري الى حل مشكلة التعصب، بل هو يخدم فقط لتوليد حقد اضافي وردود فعل سلبية. لقد آن الأوان للعالم كي يدرك أن المأساة التي تجلبها الحرب للمجتمعات والدمار البيئي الذي ينتج لا يقدم مستقبلاً آمناً.
لا يمكن أن تضع الولايات المتحدة نفسها فوق القانون الدولي. وعليها من موقعها القوي العمل لترويج السلام والبيئة السليمة لكل المجتمعات.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.