عندما وصل إيمانويل ماكرون للسلطة في فرنسا، جعل البيئة من أولويات جدول أعماله. وبعد مضي 18 شهراً، أجّج الغضب جراء هذه السياسات احتجاجات تمثل تحدياً كبيراً للرئيس الفرنسي.
وأحرق مثيرو الشغب سيارات ومباني في وسط باريس بعد أسبوعين من الاحتجاجات الناجمة جزئياً عن زيادة أسعار الوقود التي يقول ماكرون إنها لازمة لمكافحة تغير المناخ. وطالبه محتجون بالاستقالة.
وتسلط محنة ماكرون الضوء على مشكلة صعبة: كيف يطبق القادة سياسات يمكن أن تعود بالنفع على البيئة على المدى الطويل دون تكاليف زائدة على الناخبين يمكن أن تضر بفرص إعادة انتخاب هؤلاء القادة؟
وإنه سؤال يواجه القادة في أنحاء العالم في الوقت الذي يجري فيه مبعوثون محادثات في مدينة كاتوفيتسه البولندية الأسبوع الجاري للاتفاق على "كتاب قواعد" لتجسيد تفاصيل اتفاقية باريس 2015 المعنية بمحاربة تغير المناخ.
وأشار فرانسوا جومين المتخصص في السياسة البيئية بمعهد الدراسات السياسية بباريس إلى المخاطر السياسية قائلاً "من الواضح أن الدول التي فيها أعلى مستويات التفاوت هي الدول الأكثر عرضة لمثل هذه التداعيات".
وخص جومين بالذكر إيطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا قائلاً إنها الأكثر عرضة لهذا الرد العنيف من قبل الناخبين وقال "أعتقد أن هذا أحد الأسباب التي تجعل الزعماء الشعبويين يميلون إلى أن يكونوا متشككين جداً إزاء تغير المناخ والإجراءات البيئية".
وألهمت الاحتجاجات في فرنسا حركات مشابهة في بلجيكا المجاورة حيث خرج المحتجون للشوارع يوم الجمعة الفائت.
وكانت هناك احتجاجات صغيرة في كندا بسبب خطة رئيس الوزراء جاستن ترودو لفرض ضريبة اتحادية على المحروقات في الأقاليم التي لا ترغب في محاربة تغير المناخ.
وما كانت تعتبره الحكومات ذات يوم انتقالاً مربحاً لجميع الأطراف صوب وسائل الطاقة الأكثر مراعاة للبيئة أصبح الآن ينطوي فيما يبدو على تكلفة على المدى القريب واضطرابات اجتماعية كبيرة تليها مكاسب محتملة على المدى البعيد.
ومن التحديات الأخرى التي تواجه الزعماء كيفية استخدام عوائد السياسات التي تهدف إلى مساعدة البيئة: هل يُستخدم المال الذي تحصله السلطات مباشرة عن طريق الضرائب على المحروقات في محاربة تغير المناخ، أم في سد ثغرات في الحسابات الوطنية؟
وقال ماكرون بعد أحدث احتجاجات في باريس إنه سيجتمع بالوزراء لبحث الأزمة عند عوته من قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين. وألغى رئيس الوزراء إدوار فيليب خططا للذهاب إلى كاتوفيتسه لحضور قمة تغير المناخ.
وفرض ماكرون ضرائب جديدة على المحروقات لحث سائقي السيارات على تغيير سلوكهم وحماية البيئة.
وخفف الرئيس الفرنسي من تعهداته الانتخابية حيال البيئة منذ توليه السلطة واستقال وزير البيئة في حكومته في غشت الماضي، بسبب بطء وتيرة التقدم. لكن الرئيس الفرنسي لم يبد استعداداً كبيراً للتنازل في وجه الاحتجاجات.
ويأتي رفع أسعار الوقود بالتوازي مع إجراءات أخرى من بينها حوافز لتشجيع الناس على شراء السيارات الكهربائية.
وكشف ماكرون عن خطة للطاقة على المدى المتوسط الأسبوع الماضي ومد يده بغصن الزيتون قائلاً إنه سيعيد النظر في أسعار الوقود كل ثلاثة شهور لكنه قال إن الضرائب على المحروقات ستظل قائمة.
ويهدف ماكرون إلى خفض انبعاثات فرنسا من الكربون 40 في المئة بحلول عام 2030 وتعزيز الطاقة النظيفة في نفس الوقت. وتتزايد الانبعاثات في الوقت الحالي ويلبي الوقود الأحفوري 75 في المئة من استخدامات الطاقة في فرنسا.
وقال "عندما نتحدث عما فعلته البلاد لمواجهة تحديات تغير المناخ فإنني ينبغي أن أقول إننا لم نفعل الكثير".
وأشار إلى أنه سيناضل لإنقاذ اتفاقية باريس للمناخ التي تهدف إلى حصر ارتفاع درجة حرارة الأرض لما بين 1.5 ودرجتين مئويتين.
ويشعر العلماء بقلق متزايد من ألا تحقق الدول أهدافها ويقولون إنها ينبغي أن تتحلى بطموح أكبر. لكن المواطنين يخشون على حياتهم اليومية.